عرض مشاركة مفردة
  #2  
قديم 27-01-2005
محمد عبد المجيد محمد عبد المجيد غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
المشاركات: 60
محمد عبد المجيد is on a distinguished road
رسالة مفتوحة إلى البابا شنودة الثالث .. الجزء الثاني

أتفق معك، قداسة البابا، في أن حقوق المواطنة تكيل بمكيالين، فالدولة ترحب بمن يترك دينه المسيحي ويعتنق الإسلام وتعتبره حرا، لكنها تكشر عن أنيابها إن كان الخيارُ عكسيا وتعتبر المسلمَ مرتدا يستحق الإعدام.
ولعلك تعرف، وأنت الدارس للتاريخ ومقارنة الأديان، أن الإسلام بريء من الفهم السقيم، وأن كتاب الله العزيز، الذي نؤمن نحن أنه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، يؤكد على أن ( من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر )، وأن التوجيه القرآني العظيم كان ( وما أنت عليهم بمسيطر ).
إنني كمسلم أرفض رفضا قاطعا هراء وعبث وجريمة الظن بأن الإسلام الحنيف يقطع رأس المسلم الذي يقرر اعتناق دين آخر،وأنا مسلم إذن فأنا حر، واستطيع أن أختار طواعية دينا آخر انطلاقا من فهمي واستيعابي لمفردات القرآن الكريم وروح الاسلام وأشعر بمهانة شديدة حينما أقرأ عن أحكام الردة وأعتبر الذين يؤمنون بها يسحبون البساط من تحت أقدام حريتي في اختيار معتقدي وديني واحترام عقلي.
لذا فلن يضر الوطنَ شيئا أن يختار مسلمٌ المسيحيةَ أو يعتنق مسيحيٌ الإسلامَ، وتلك والذي نفسي بيده أجمل ما في حرية الاعتقاد، بل هي الطريق إلى المواطنة الكاملة.
في باكورة شبابي كنت مولعا بمقارنة الأديان، والتهمت كثيرا من الكتب، وقرأت العهدين القديم والحديث مرات كثيرة ، وكان والدي، رحمه الله، أعظم أب في العالم ( معذرة لكل الآباء الطيبين ) ، وقال لي في احدى المرات بأنني لو اخترت دينا آخر غير الاسلام فلن يغضب مني فقيمتي وانسانيتي في عمق تغلغل مشاعر الحرية.
واخترتُ الإسلامَ هذه المرة عن قناعة عقلانية واختراق عاطفي لكل جوانحي، ومع الأيام والسنين تزداد قيمة التسامح في نفسي حتى بلغت مبلغ الإيمان ذاته وقوته وعمقه، فأصبحت أرى أقباطنا، أحبابنا شركاء الوطن لا يتميزون عن المسلمين في أي شيء.
المسلم الذي لا يثق في قوة إيمانه ويخشى أن ينفرط عقد ضعيف في قلبه أو فهمه للاسلام ولا يعرف سحر الحرية في صناعة النفس المتزنة، يظن أن المرتد هزمه بضربة قاضية، وفضح التفسيرَ المريض لحرية الاعتقاد الذي يجعلها قاصرة على المسلمين دون غيرهم من البشر.
لذا فالكيل المنافق بمكيالين، يحلل اعتناق المسيحي للاسلام ويُحرّم على المسلم اختيارا آخر ليس من الاسلام في شيء ولا تسري فيه روح الكلمة العليا للقرآن الكريم.
لذا فقد كنتَ، قداسة البابا، أصغرَ من قامتك العظيمة في الفتنة الأخيرة التي كادت تحرق الوطن كله.
طلبتَ تسليم مواطنة مصرية لسلطة الكنيسة، فتزحزح الوطن قليلا من موقعه وأنت القائل دائما ( الوطن لا نعيش فيه فقط لكنه يعيش فينا ) أليست تلك كلماتك؟

لو دخل عليك في المقر البابوي فجأة السيد المسيح، عليه السلام، لعاتبك عتابا شديدا، وربما كان يطلب منك أن تطالب بحقوق كل المواطنين، مسلمين ومسيحيين، في دولة امتهنتهم، ونظام داس فوق رؤوسهم، ومؤسسات تحتقر المواطن مالم يكن متزلفا ومتقربا ومتوددا للقصر وأسياده.
كان المسيح سيطلب منك أن تقف بهامتك وقامتك وعزتك أمام جموع الشعب وهم يحملون الصليب، وتستنكر باسم الآب والابن والروح القدس الخروج على تعاليم المسيح من الذين طلبوا الاستعانة بآرييل شارون وجورج بوش لاحراق مدينة المدن .. القاهرة الحزينة!
وكان سيُذَكّرك بأن ( من ضربك على خدك الأيمن فادر له الأيسر، ومن أخذ رداءك فلا تمنعه ثوبك أيضا)، وسيطلب منك أن تصلي لعشرين ألف معتقل مسلم في سجون وطنك، وأن تدين كل الانتهاكات والظلم والبغي والعدوان ضد المصريين جميعا.
كان سيقول لك إن المسيح ابن مريم لا يصغر إنْ تركت امرأةٌ زوجَها الكاهن المريض واعتنقت الإسلام، ولا يكبر إن ارتد مسلم عن دينه وقضى ما بقي له من عمر في أحد الأديرة المتاخمة لصحراء لا نهائية.
وكان سيحذرك من فتنة طائفية، ومن ألاعيب سيد القصر، ومن مشاعر العداء الصهيونية نحوك لموقفك الوطني الرائع، ومن ترك جريمة التمييز في المواطنة والالتفاف حول جنحة صغيرة لامرأة قد تكون محقة أو مخطئة، ولكن الجميع، مسلمين ومسيحيين، رجموها بألسنة حِداد، وسد الإعلامُ الأحمق أذنيه بدلا من أن يستضيف السيدة لتقص الحقيقة دون أن تكون هناك اساءة لأي من الدينين.
وكان المسيح سيطلب منك أن تنخرط في عضوية عشاق الوطن دون تمييز، وأن تخرج للعلن، وتشهر رأيك السياسي، وتجعل الكنيسة تعانق المسجد، وتتحدث عن قوانين الطواريء والتجديد للرجل الأوحد وعن الفساد والنهب والسرقة والبطالة والأمية وسكان المقابر والاعلام والسياحة والاقتصاد وانتهاك كرامة المواطن في أقسام الشرطة، وحتى أسعار الدواء والعلاج.
وكان المسيح سيحدثك حديثا جميلا ورقيقا ومفعما بالمحبة عن نبي الإسلام، ويطلب منك أن تعاتب وتنهر الأقباط الذين دخلوا معركة غير متكافئة ( وهم قلة بفضل الله). إنهم يسبّون بأقذع الشتائم الجارحة محمدا بن عبد الله، صلوات الله وسلامه عليه، ولا يستطيع أيُ مسلم في العالم كله أن يمس المسيحَ وأمَه التي أصطفاها الله وفضلها على نساء العالم.
وكان المسيح سيطلب منك أن تضع قوانين جديدة تُسهّل الطلاق، وتفرج بها عن مئات الآلاف من الزوجات البائسات في زيجات فاشلة المطلوب فيها أن تتحمل المرأةُ جحيم الجدران الأربعة، وتحتفظ بعفتها، وتضحي بحياتها وكرامتها من أجل أن يرضى عنها الربُ، وأي ربٍ هذا الذي يكافيء على الصمت، ويسعد بالخرساء، ويطلب من المرأة أن تتحمل من أجل العناية السماوية قسوة زوج وساديته وظلمه وقهره واهانته لها ولأولادهما.
وحتى لو كان العكس هو الصحيح فإن الرجل الذي ينتظره زواج آخر سعيد وأولاد أصحّاء نفسيا وبهجة في الحياة الدنيا لا يطلب منه المسيحُ أن يختار البؤسَ، ويضع صليبه فوق مخدعه في كل ليلة!
كان المسيح سيطلب منك رفع الظلم الواقع على أي قبطية بائسة في زواجها قبل أن تحاسبها عن هروبها إلى دين آخر أو مذهب مختلف أو سلطة كنسية أقل جهامة وقسوة وتزمتا وتشددا في التعامل مع المرأة.
وكان المسيح سيقول لك بأن الكنيسة ليست مخفرا للشرطة، وأن طلبك تسليم امرأة مصرية لمجرد أنها قبطية كان كبوة من أعلى رأس مسيحي في أفريقيا والعالم العربي، فأنت قد ضربت نظام الدولة وتنظيم المؤسسات والعرف السائد وتماسك شركاء الوطن من مسلمين ومسيحيين على الرغم من أنك فضحت هشاشة النظام الحاكم ، وأظهرت ضعفه، وكشفت وهنه.
وكان المسيح سيمسح بيديه الرقيقتين على وجهك الطيب وهو يُذَكّرك باعتكافك عندما حاول الرئيس الراحل أنور السادات اهانتك وضربَ الوطنِ في مقتل، وغضبَ عليك لأنك لم تبارك زيارته للقدس الحزينة الواقعة تحت الاحتلال العنصري الصهيوني، لكنه، عليه السلام، كان سيبعد يديه فورا عن وجهك الكريم وهو يحدثك عن الخطأ الذي ارتكبته عندما اعتكفت من أجل تسليم مواطنة مصرية من سلطة الدولة إلى سلطة الكنيسة.

الجزء الثاني

آخر تعديل بواسطة Servant5 ، 12-07-2007 الساعة 01:46 PM السبب: larger font
الرد مع إقتباس