عرض مشاركة مفردة
  #2  
قديم 27-10-2006
reyad reyad غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Jul 2005
الإقامة: jordan
المشاركات: 1,799
reyad is on a distinguished road
حرمت الخمر بالآية 90 من سورة الأنفال: "إنما الخمر والميسر والأنصاب والازلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه". لكن القرآن لم يشرّع حدّا لمنتهك تحريم الخمر والميسر (قمار الرهان) والأنصاب (التكهن بالمستقبل من خلال فحص أحشاء الضحية ) والازلام (رمي القرعة). ولم يقم الرسول الحدّ على شارب الخمر. وكذلك لم يفعل أبو بكر ولا ـ على الأرجح ـ عمر الذي نجد في سيرته إخبارا كثيرة عن عدم جلده للسكارى، منها انه كان يقول للشرطة الذين يسوقونهم إليه: "شاهدت الوجوه التي لا ترى إلا في الشرّ، خلّوا سبيله " رغم أن فريقا من الرواة السنّة زعموا انه حدّ ابنه سالما في شرب الخمر حتى قتله تحت الجلد... ولم يشعروا في هوس تبرئتهم له من اتهام الشيعة له بمواصلة الإدمان على الخمر حتى بعد إسلامه، بعبث مبالغتهم إذ جعلوه يرتكب جريمة فظيعة وهي قتل ابنه في حدّ لم يرد في كتاب أو سنّة. وهذا بيت القصيد، لان الإمام عليا هاله استفحال تعاطي الكحول وما ترتّب عنها من الموبقات بعد انتشار الفتح وتهاطل الغنائم على مكّة والمدينة وانتشار الفساد والسكر فيها... في محاولة لدرء هذا الفساد لم يتردّد الإمام علي في مخالفة الكتاب والسنّة مستحدثا حدّا لشرب الخمر قياسا على حدّ القذف. لكنه لم يعمم نفس الحد على الميسر والأنصاب والأزلام رغم أن الآية عطفتها على الخمر... لعل ذلك راجع إلى أن هذه الممارسات ظلت محدودة عكس انتشار تعاطي الخمور لدى الشباب المسلم في مكة والمدينة آنذاك.

أما الحالة الثانية التي رفض فيها الخليفة الراشد الرابع تطبيق الحد فهي رفضه تسليم قتله عثمان وقادة الثورة عليه الذين انضموا إليه، وهو ما كان يطالب به لحاجة في نفس يعقوب معاوية وطلحة والزبير وأم المؤمنين عائشة. قاتلا عثمان هما محمد بن أبي بكر الصديق والاشتر النخعي الذي سبق له أن نعت عثمان بـ "النابذ لحكم الله وراء ظهره". الأول سمّاه علي واليا على مصر حيث قتله عمرو بن العاص ووضع جثتّه في جوف حمار واحرقها. والثاني عيّنه الإمام قائدا على جيشه في معركة صفّين.

نسخ الخلفاء الراشدين الأربعة، خريجي المدرسة المحمدية بامتياز، للحدود مستلهم من نسخ الرسول لها عندما يرى عدم جدوى تطبيقها أو مخالفتها لحقوق الإنسان الطبيعية، كما فعل مع آية رجم الزاني والزانية حتى الموت. وهذه الآية يتيمة لا رقم ولا سورة لها لان الرسول محاها من الألواح القرآنية. وهي الآية القائلة: "الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتّة نكالا لله". تزعم الشيعة بان الآية لم يحذفها الرسول (صلعم) وإنما ظلت باقية في مصحف علي إلى أن حرقه عثمان لما احرق جميع المصاحف الأخرى بعد جمع القرآن في مصحفه المتداول اليوم. وإنما الذي نسخها هو عمر الذي: " بلل إصبعه بلعاب لسانه ثم محا آية الرجم من لوح ابنته حفصة " وهو ادعاء قليل الجدية إذ لو فعل عمر ذلك لثارت عليه ثائرة الرجال الذين لا مصلحة لهم في إلغاء الرجم... لكن احتفاظ الشيعة بعد الرجم يبقى منطقيا في منطقهم اللامنطقي طالما الآية مازالت عندهم تتلى. أما الغريب فهو تعليل أهل السنة والجماعة للإقرار بمحو الرسول للآية والاحتفاظ بأحكامها. " يقول المفسّرون أن آية الرجم هذه نسخت تلاوة وبقيت حكما" (مختصر سيرة ابن هشام ص 313 ) أي أن تلاوتها أصبحت حراما أما حكمها فما زال حلالا.

حقيقة ليس بوسعنا مهما أعطينا لعقلنا النقدي إجازة أن نقبل مثل هذا التناقض الصارخ: آية تنسخ من القرآن بنصها ولا تصح الصلاة بها ومع ذلك يبقى حكمها اللانساني، الرجم حتى الموت، ساري المفعول. طبعا لا داعي ليكون المرء خبيرا في علم النفس ليرى بصمات عقدة أوديب التي تجعل الرجل يتخيّل كلّ امرأة عدا أمه "بغيا" جديرة بالاحتقار والعقاب، مقروءة بين سطور حكاية نسخ الله لتلاوة آية "الشيخ والشيخة" وإبقائه على أحكامها. قلة من المفسرين لم يفتهم هذا التناقض وقالوا أن عمر اقرّ بان الآية منسوخة تلاوة وحكما. لكن جمهورهم لجأ إلى حشد من الأخبار الكاذبة القائلة بان عمر رجم فلانة وفلتانة وفلانا وفلتانا.. بل بلغ ببعض المؤرخين السنّة هوس تبرئته من اتهام الشيعة له بنسخها انهم نسبوا إليه خطبة كاملة أشبه بخطبة الوداع: "اخشي أن طال بالناس زمان أن يقول قائل: والله ما نجد الرجم في كتاب الله فيضلّوا بترك فريضة انزلها الله..."

وهو أسلوب فقهي مفكك ومائع لا علاقة له بأسلوب عمر العصبي الحاسم.

العلة كامنة في اعتماد القراءة الحرفية للكتاب والسنة بدلا من قراءة رمزية وعقلانية تقدم مصلحة الأمة على نصوص تراثها كما فعل الفريق الأكثر صلاحا من السلف الصالح تجعل منّا امة بين الأمم الراقية تقدم العقل على النقل ومصلحة الإنسان من لحم ودم على عبادة الأسلاف.

إذا لم تبادر إلى ذلك بأقصى السرعة والحزم فسنبقى امة من العهد الزراعي، لا مكان لها تحت سماء الثورات الصناعية المتلاحقة... امة على قائمة الاحتضار.

ولأعداء الاجتهاد الجريء والقراءة التاريخية والعقلانية لتراثنا أقول لهم مع أبي الطيب المتنبي:

أغاية الدين أن تعفوا شواربكم يا امة ضحكت من جهلها الأمم ؟ .



http://www.metransparent.com/texts/i...aria_today.htm
الرد مع إقتباس