عرض مشاركة مفردة
  #1  
قديم 27-06-2011
الصورة الرمزية لـ abomeret
abomeret abomeret غير متصل
Moderator
 
تاريخ التّسجيل: Dec 2004
المشاركات: 2,345
abomeret is on a distinguished road
مجدي خليل يكتب : البرادعى ووثيقة حقوق الإنسان المصرية

مجدي خليل يكتب : البرادعى ووثيقة حقوق الإنسان المصرية

مجدي خليل - الدستور الأصلى

سعدت جدا بإعلان الدكتور محمد البرادعى بأن مصر تحتاج إلى وثيقة حقوق إنسان تكون ضمانة ومرشدا لكافة مواد الدستور الأخرى، بحيث تكون مرجعية ملزمة لواضعى الدستور وللمحكمة الدستورية العليا يقاس مدى تطابق أى مواد دستورية أو قانونية مع هذه الوثيقة، وهو نهج أخذت به انجلترا فيما عرف ب " وثيقة قانون الحقوق" عام 1689، وفى الولايات المتحدة فى " وثيقة الاستقلال الأمريكى" 1776، ثم فرنسا فى " الإعلان العالمى لحقوق الإنسان" عام 1789.

وهذه الوثائق كانت مرشدا للمجتمع الدولى لإصدار" الإعلان العالمى لحقوق الإنسان" الصادر عن الأمم المتحدة فى 10 ديسمبر 1948،ثم ما تلاه من اتفاقيات ومعاهدات وإعلانات دولية هامة والتى بدورها صارت مرجعا لكل الدساتير المحترمة فى العالم .

ولكن كما يقول المثل المصرى، فرحة ما تمت خدها الغراب وطار، حيث جاءت الوثيقة هزيلة جدا وكأننا لم نستفد من خبرات العالم، والأدهى فوجئت بإعلان الدكتور البرادعى أن المادة الثانية من الدستور الخاصة بالشريعة سوف تتصدر مواد وثيقة الحقوق هذه، وكما جاء فى المصرى اليوم بتاريخ16 يونيه 2011 فأن الوثيقة تتكون من 17 مادة وتنص موادها على أن يكون" نظام الدولة جمهورياً ديمقراطياً، والإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع، ويقوم النظام السياسى على تعدد الأحزاب السياسية، وحق المواطنين فى إنشاء الأحزاب ومباشرة العمل السياسى، طالما لا تقوم هذه الأحزاب على أى مرجعية أو أساس يتعارض مع حقوق المواطنين الأساسية الواردة فى هذه الوثيقة" .

من المعرف طبعا أن كافة وثائق حقوق الإنسان استلهمت القيم الإنسانية الرفيعة من الخبرة البشرية ومن الأديان ومن الخبرة السياسية المصاحبة لنشأة الدولة الحديثة بعد صلح وستافليا، و ورغم هذا لم تشر هذه الوثائق لا من قريب ولا من بعيد إلى الاديان أشارة مباشرة، فلماذا إذن يريد الدكتور البرادعى أن يزج بالشريعة فى الوثيقة المصرية المقترحة؟ .

عندما نقول هذا يكون الرد جاهزا بأن مبادئ الشريعة هى العدل والتسامح والرحمة وهى مبادئ لا تتعارض مع المواثيق الدولية، بفرض صحة هذا الكلام لماذا لا تحتوى الوثيقة على هذه القيم بدلا من الأشارة مباشرة إلى الشريعة؟. فى الحقيقة لن نحصل على اجابة لهذا السؤال لأن الشريعة وفقا للتفسيرات المتداولة بالفعل تمثل قيدا شديدا على المساواة وحقوق الإنسان وليس كما يدعون بأنها تتماهى مع مواثيق حقوق الإنسان وهذه هى الاسباب باختصار:

اولا : عنما وضعت الدول الإسلامية قيدا مطاطيا على مواثيق حقوق الإنسان الدولية بزعم عدم التعارض مع الشريعة لم توضح ما هى الشريعة حتى يعرف المجتمع الدولى تلك الحقوق التى تتعارض مع الشريعة، وهذا يعنى امرين أما أنه لا يوجد تعريف محدد ومتفق عليه للشريعة وأما أن قيود الشريعة على هذه الحقوق من الاتساع والجسامة بحيث تهرب هذه الدول من تحديدها حتى لا يعنى ذلك تقويض المواثيق من مضمونها وفاعليتها، أو كلاهما معا.. وكلا الأمرين يضع علامات استفهام واسعة على وضع الشريعة الدستورى والقانونى .

ثانيا : عندما يكون هناك حق بديل واضح ومقبول العمل به فى الدول الإسلامية يأخذ به المجتمع الدولى بالنسبة لهذه الدول،بل ويشار اليه فى المواثيق الدولية، وهذا ما حدث فى أتفاقية حقوق الطفل المعتمدة من الجمعية العامة للأمم المتحدة فى 20 نوفمبر 1989، حيث قدمت الدول الإسلامية الكفالة بدلا من التبنى واخذت بها الاتفاقية، ولكن الكارثة أن الدول الإسلامية فى الحقوق الرئيسية للإنسان تقدم قيد الشريعة ولا تقدم الحق البديل وتترك الموضوع مفتوحا مما يضرب الاتفاقيات الدولية فى مقتل.

ثالثا : الغريب أن من يتحدثون عن مبادئ الشريعة يكررون العدالة والرحمة والتسامح، والمعروف أن التسامح يختلف كلية عن المساواة، أو يرددون مقولة " لهم ما لنا وعليهم ما علينا"، ولكن هذه العبارة المطاطية كما يقول أستاذنا الراحل سعيد النجار " تنصرف فقط إلى القضايا التى لم يرد فيها نص قرآنى أو حديث نبوى ينطوى على تمييز. ومن ثم فهو قول لا يغير كثيرا أو قليلا من واقع الأمور".

رابعا : يرى أغلبية الفقهاء المسلمين القدامى والمعاصرين أن المساواة لا تتعارض مع التمييز بين المسلمين وغير المسلمين، ويبرر هذا التمييز على أساس أن الدولة الإسلامية تقوم على العقيدة، فى حين أن المواثيق الدولية ترى التمييز والتصنيف والفرز كلها أمور تضرب المساواة فى مقتل.

خامسا : هناك أمور فى الشريعة عليها اتفاق عام مثل حق المسلم من الزواج من كتابية والعكس ممنوع ، عدم جواز التوارث بين المسلم وغير المسلم ، ومثل التحول الدينى يجوز فى اتجاه واحد إلى الإسلام فى حين يعتبر العكس ارتدادا حتى ولو اختلفوا على عقوبة المرتد .. بل وصل الأمر بعدم حق الكتابية المتزوجة من مسلم أن تدفن معه فى نفس القبر.. فكيف يمكن تبرير تلك الأمور مع وثيقة تدعى أنها تعمل على وضع حقوق الإنسان فى مرتبة أعلى من مواد الدستور الأخرى .

سادسا : هناك مناقشات عديدة تمت فى اروقة الأمم المتحدة حول الشريعة ومعظمها يشير إلى الشريعة باعتبارها قيدا على الحقوق ،بل أن محاضر مناقشات الأمم المتحدة تصف الحدود بأنها عقوبات لا إنسانية ومحظورة،فكيف تتصدر وثيقة حقوقية وتكون مرجعيتها بعد ذلك؟!!

وهذا يقودنا إلى طريقين للحلول، أما أن يرتقى الاجتهاد للتوافق مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان دون أن ينطوى ذلك على مخالفة للدين أو الشريعة، وفى تقديرى أن هذا صعب جدا إن لم يكن مستحيلا فى ظل مطاردة والتنكيل بالمصلحين والمجتهدين من المعتزلة إلى بن رشد إلى سعيد العشماوى ونصر ابو زيد، أما عدم الإشارة نهائيا فى وثيقة الحقوق إلى الدين أو الشريعة واستلهام القيم الإنسانية المشتركة التى جاءت فى المواثيق الدولية ..... وهذا يحتاج إلى شجاعة خاصة .

ويؤسفنى القول بأنها لم تتوفر حتى الآن فى ال شخصيات القيادية فى الدول الإسلامية بإستثناء حالة كمال اتاتورك ، وهذا الاختلاف لا يلغى تقديرى الكبيرى للدكتور البرادعى وثقتى فى جدارته بحكم مصر فى هذه الفترة الحرجة .
__________________
(( افتحي يا كنيسه زراعك لكل متنصر جذبه المسيح اليه .. احتضنيه و اعترفي به فهو ابن لك و انت ام له ))

((فأنت الصدر الحنون له في محيط المخاطر و الكراهيه و الظلم و الارهاب الذي يتربص به ))
الرد مع إقتباس