عرض مشاركة مفردة
  #35  
قديم 14-12-2006
boulos boulos غير متصل
Gold User
 
تاريخ التّسجيل: May 2006
المشاركات: 1,586
boulos is on a distinguished road
تابع....

إنهم يقولون لنا غير ذلك ، يقولون أن دولة الخلافة والشريعة معلوم من الدين بالضرورة ، ومن يعارض قيامها (مثلي مثلا فأنا أشد أعدائها) هو مرتكب لما هو مخالف للمعلوم من الدين بالضرورة؟إنهم يزيدون علينا في أمر ديننا ، وهذا هو التعريف الدقيق للبدعة ، المسألة ببساطة أن رب الإسلام ترك شأن الحكم للمسلمين ، إن شاءوا فعلوا ما فعل الإثينيون بديمقراطيتهم المباشرة ، وإن شاءوا فعلوا فعل بلقيس عندما كان لها لجنة استشارية متخصصة ترجع إليها في شئون الحكم ، وهو ما أخبرنا به القرآن ، ولم يعب القرآن حكم بلقيس ، إنما عاب دينها ، ففصل الدين عن السياسة ، وترك لنا نموذجاً آخر بين البدائل الممكن اختيارها. فإن شاءوا أخذوا بالطريقة المصرية أو الساسانية وكل ما يجمع بين هذه الأمثلة هو وجود المؤسسات والهيئات التي تقوم على حفظ نظام الدولة وكيانها وإقامة العدل بين المواطنين ، وحفظ حقوقهم. نعود لزمن الرسول والصحابة نبحث أي النماذج اختاروا للحكم من بين المعروض في الدنيا ، وهو مساحة صمت فيها الوحي ، فكانت مساحة حـُرة يمكن فيها اختيار أفضل الأنظمة لأفضل الأديان ليعبر عنه وعن عدله ومساواته ، ومحققاً لمأثوراتنا خاصة أسنان المشط دلالة على المساواة.
يقول "أبو حاتم وابن مردوية عن أبي الأسود قال : اختصم رجلان إلى النبي ص فقضى بينهما ، فقال الذي قضي عليه : ردنا إلى عمر بن الخطاب ، فأتينا إليه ، فقال الرجل : قضى لي رسول الله على هذا ، فقال ردنا إلى عمر ، فقال عمر : آكذاك ؟ قال : نعم ، فقال عمر : مكانكما حتى أخرج إليكما ، فخرج إليهما مشتملاً سيفه فضرب الذي قال : ردنا إلى عمر فقتله ، وأدبر الآخر ، فقال : يا رسول الله قتل عمر صاحبي ، فقال عليه السلام : ما كنت أظن أن يجتريء عمر على قتل مؤمن ، فأنزل الله : فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ، ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً. النساء 65
ويتأسس على هذا الحدث وتلك الآيات في أيامنا هذه تشريع فتوى بقتل المخالفين وتفجيرهم لأنهم لا يرضوا بحكم الله والرسول بمخالفتهم للمذهب السني! لأن عمراً قتل الذي لجأ إليه طلباً للعدل وهو يقول : "هكذا أقضي لمن لم يرض بقضاء الله ورسوله". وقضاء الله ورسوله اليوم هو التجديد الوهابي للمذهب السني بالتحديد والتدقيق. فإن خالفته في شيء فعلوا بك فعل عمر فيمن ذهب إليه طالباً العدل.
تعالوا نعرض هذا الموقف على الرؤية الرومانية الوثنية قبل الإسلام بإثنى عشر قرناً ، كان من حق هذا المقتول أن يعرض أمره على الجمعية العمومية قبل تنفيذ الحكم ، لا أن يصدر الحكم وينفذ في نفس اللحظة ، كما أن عقوبة الإعدام وقت السلم لا يحق صدورها من أفراد بل هي من حق الشعب من خلال مؤسسات المجتمع ونظام الدولة. ولم يكن خلاف هذين المتخاصمين في أمر من أمور الدين فليس بينهم خلاف على نبي ولا شعيرة ولا آية ، كان خلافاً في شأن دنيوي بعيداً عن دائرة الدين ، وكلاهما كان من الصحابة مثل عمر ، وكانا يعرفان النبي كما يعرفان عمر ، وكان قول النبي : " ما كنت أظن أن يجتريء عمر على قتل مؤمن " يشير إلى معرفة النبي أن الرجل ليس مسلم فقط بل هو مؤمن وهو أعلى درجة من المسلم.
لكن الله حسم الموقف بعدم إيمان المقتول ، هنا لابد للعقل أن يتساءل : وهل كان عمر عندما قتل القتيل يعرف أنه غير مؤمن ، فالنبي نفسة لم يكن يعرف ذلك؟ وإن كان القتل قد تم بناء على عدم إيمانه وأن عمراً استنتج ذلك لعدم قبوله بتحكيم الرسول ، فما هو الحال مع الأعراب الذين قال الله بشأنهم " قالت الأعراب آمنا ، قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا " الحجرات 14. وحتى لو كان عدم إيمان الرجل مؤكدا ، فإن ذلك العقاب بمنطق اليوم وحقوق اليوم غير مقبول بجميع المقاييس.
المقصود هنا بيان أن دولة النبوة كانت شأناً خاصاً وطارئاً وكذلك دولة الراشدين ، وإنه كان للزمن ولظروف البيئة وإحكامها وتحكمها للشكل القبلي في الحكم ، لكنها لا تلزمنا اليوم باتباعها لأن مسألة الحكم تركها الله لنا مساحة حـُرة نقيم حكمنا بأيدينا كيفما شئنا.
الرد مع إقتباس