عرض مشاركة مفردة
  #9  
قديم 16-02-2006
NEW_MAN NEW_MAN غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Mar 2003
المشاركات: 3,027
NEW_MAN is on a distinguished road
بـريــد الأهــرام
43537 ‏السنة 130-العدد 2006 فبراير 17 ‏18 من المحرم 1427 هـ الجمعة


طـــعنة الخــــريف



في هدوء الليل أكتب اليكم من غرفة مشتركة في احدي دور رعاية المسنين بضاحية من ضواحي القاهرة‏,‏ واسمحوا لي ان أشرككم معي في حكايتي‏,‏ التي لو حكي لي مثلها مخلوق آخر لما صدقتها ولظننت انها رواية سينمائية وليست واقعا يعاش‏.‏

موظف أنا بالمعاش منذ ما يقرب من سنة‏,‏ بدأت حكايتي بعد عودتي من العمرة عندما لاحظت إصرار شريكة ربع قرن من حياتي علي أن أشرب من يدها في كل مساء كوبا من الشاي أو قدحا من القهوة‏,‏ بدعوي أن نسهر معا أمام التليفزيون‏,‏ فاكتشفت أنني أنام لأصحو فأجدني علي مقعدي الذي نمت عليه أمام التليفزيون‏..‏ اكتشفت ذلك عندما تظاهرت بعد أيام طويلة بشرب القهوة أو الشاي‏,‏ فوجدت نفسي متنبها بلا أي رغبة في النوم‏,‏ لكنني تظاهرت بالنوم لأعرف ماذا يدور من حولي‏,‏ وفوجئت بخروج أم عيالي وقد وضعت كل زينتها وماكياجها؟ إلي أين؟‏!‏ هذا مالم أكن أعرفه‏.‏

كنت حسن النية حتي ذلك الحين‏,‏ لكنها عندما عادت ذلك اليوم في الخامسة فجرا‏,‏ قررت مالم أكن أتصوره ولا أرضاه لنفسي ولا لغيري فراقبتها‏,‏ وكنت في كل ليلة أتظاهر بالنوم بعد تناول الشاي بالمخدر الذي كانت تضعه فيه ثم أخرج خلفها لأعرف ما الذي يحدث‏.‏

راقبتها نعم‏,‏ فاكتشفت انها دخلت النادي الذي نشترك فيه فدخلت خلفها ووجدتها إنسانة مختلفة لا أعرفها‏,‏ مرتفعة الصوت جريئة الي حد الوقاحة مع رواد النادي‏,‏ وكانت تطيل الوقوف أو الجلوس عند منضدة بالذات ثم تغادرها لتخرج من باب آخر للنادي‏..‏ ولمحني أحد رواد النادي أراقبها فسألني ان كنت أرغب في هذه المرأة ــ يقصد امرأتي ــ ولم يكن يعرف أنها زوجتي‏,‏ قال إن كنت تريد هذه الــ‏(...)‏ فعليك بطلبها من مدام‏(...)‏ ثم ضحك قبل أن يتركني قائلا نحن جميعا نفعل هذا‏!!‏


واستمرت المراقبة وطاردتها كالأفلام تماما ورحت ألتقط أرقام السيارات التي تركبها وأسأل بمساعدة بعض أصدقائي عن أصحاب السيارات في المرور‏,‏ وعرفت عناوين الشقق المفروشة التي تتردد عليها‏..‏ ثم كانت المواجهة وكانت الصدمة‏...‏ أعنف صدمة يمكن ان يواجهها زوج طيب مغلوب علي أمره‏,‏ عندما صرخت في وجهها أمام أبنائنا الثلاثة‏:‏ أيوه أنا كده‏(...)‏ ومن زمان‏,‏ واذا كان عاجبك‏!!‏ هممت أن أضربها كرد فعل رجل مطعون في شرفه‏,‏ فكانت الصدمة الثانية عندما تصدي أبنائي للدفاع عنها‏.‏

قالت أم عيالي وزوجتي للدفاع عن نفسها‏:‏ إن بيتنا يصرف في الشهر ما يتعدي خمسة آلاف جنيه فهل يكفينا معاشك الذي لا يزيد عن خمسمائة جنيه؟‏!‏

لا ينفع هنا بالطبع أي كلام عن الشرف والاصل واللقمة والحلال والعيش الحاف‏,‏ بينما أولادها ينعمون بإنفاقها السخي عليهم وكل طلباتهم مجابة بعدما تخلصوا من فقر الاب وحرصه وتدقيقه معهم‏,‏ لابد ان أذكر هنا أن أكبر أبنائي بكالوريوس حاسب آلي‏,‏ وكبري بناتي تعمل في فندق كبير ببكالوريوس السياحة والفنادق الذي حصلت عليه‏,‏ ولابد اذكر ايضا انها هي التي ألحقتها بهذا الفندق عن طريق أحد معارفها أو زبائنها من الشقق المفروشة‏..‏ الآن اكتشف هذا‏,‏ بعد ما كنت أصدق أن أولاد الحلال هم الذين سعوا في تشغيلها‏!!‏

أما صغري بناتي فهي الآن في الثانوية العامة‏..‏ المهم ان ابني الاكبر هم بضربي‏,‏ ان لم يكن ضربني بالفعل عندما هممت بضرب أمه‏,‏ وهو الذي كنت أحمله صغيرا لأذهب به الي الحضانة وهو الذي طالما ذهبت إليه في المدرسة لأحل له مشاكله‏,‏ والذي كنت أسهر معه لأساعده في حل واجباته المدرسية‏,‏ وهو الذي كنت اترك عملي قبل موعد الانصراف لألحق به عند خروجه من المدرسة لاعود به الي البيت‏..‏ اكتب لكم هذا ودموعي تجري من بشاعة ما عرفت‏..‏ من النكراء والجحود والغدر والظلم‏..‏

هل تعرف ماذا قالت ابنتي الكبري موظفة الفندق الكبير‏,‏ قالت إن لم اتركهم لحياتهم فانها ستضع لي السم في طعامي لأموت‏,‏ أو سيدبرون لي مكيدة تدخلني السجن لأقضي فيه بقية عمري‏,‏ وقالت الصغري إنهم لم يعرفوا لحياتهم معني إلا اليوم‏,‏ وانني لم أترك لهم إلا الفقر والحرمان‏..‏ انا الذي بعرقي وكفاحي أسكنتهم هذه الشقة الواسعة التي يقيمون فيها بميراثي عن أبي وعملي الاضافي فوق عملي الحكومي وحرماني لنفسي من كل نعم الحياة وإنكاري لذاتي‏..‏ حتي مدخراتي التي كنت أضعها للزمن استولت عليها زوجتي أو مطلقتي الآن بعدما طردتني من بيتي وحرمتني من أبنائي برغم جحودهم لأجد بعض ملابسي في حقيبة قديمة ألقتها لي من فوق لأبدأ مشوار البؤس في بيوت أصدقائي ومعارفي واخوتي‏,‏ حتي استقر بي المقام اخيرا مع زملائي من البائسين أمثالي أو الأشد بؤسا في هذه الدار لرعاية المسنين‏,‏ وكل منهم يمثل قصة تصلح تراجيديا للمسرح أو السينما‏,‏ لم أكن أعرف أنها موجودة لولا انني اصبحت واحدا منهم‏.‏أسأل نفسي الآن‏:‏ هل هذا هو جزاء الثقة وحسن النية؟ وهل تكون النتيجة ان اجد نفسي زوجا مخدوعا يكتب قصة الغدر والخيانة من غرفة مشتركة في دار متواضعة لرعاية المسنين بعد دفء البيت والأسرة والأبناء؟‏!‏

وماهي جنايتي التي استحق عليها كل هذا العذاب والألم‏,‏ أنا الذي كنت كريما ومتسامحا‏,‏ فسترت فضيحة زوجتي ليلة الزفاف استجابة لدموعها وخوفا من الفضيحة‏,‏ لتواجهني بعد‏25‏ سنة من الزواج بفضيحة أكبر لم أجد حلا لها سوي الخروج سالما بالطلاق وفراشا فقيرا في غرفة متواضعة بدار للمسنين‏.‏

اليوم أبحث عمن تريد أن تشاركني ماتبقي من مشوار عمري‏,‏ والتي تعيد إلي الثقة في الناس والحياة‏,‏ وترضي بمعاشي البسيط الذي سأضعه كاملا بين يديها‏,‏ ولاشروط لي أكثر من أن تكون عندها ولو غرفة بسيطة تجمعنا نحتمي فيها من غدر الزمن‏.‏

************************


سيدي‏..‏ لولا أن رسالتك وصلتني عن طريق أحد أصدقائك‏,‏ والذي أثق به كل الثقة‏,‏ ولو أن لدي عنوانك في دار المسنين التي تقيم بها‏,‏ ماصدقت تلك المأساة‏,‏ نعم أجد كل يوم في بريد الأصدقاء مايدهشني ويصدمني‏,‏ ولكن حكايتك فيها مايفوق الدهشة والصدمة‏,‏ فقد يحدث أن نفاجأ بأن شريكنا في الحياة خائن بعد‏25‏ سنة من زواج وأمان وثقة‏,‏ ولكن أن يرحب الأبناء الثلاثة بمن فيهم الرجل الجامعي بسقوط أمهم وانحرافها‏..‏ شيء قاس وغير مفهوم‏.‏
علي أن أسلم بما جاء في رسالتك‏,‏ ولكن دعني أسألك‏:‏ كيف مر ربع قرن علي زواجكما ولم تكتشف أي سلوك شائن لأم أولادك‏,‏ إلا بعد خروجك علي المعاش‏,‏ ورجوعك من العمرة؟
هل كانت تضع لك منوما كل هذا العمر؟‏!‏
دعني أسألك أيضا‏,‏ هل راعيت الله في اختيارك لزوجتك التي سترتها منذ الليلة الأولي لزواجكما؟ وكيف كنت تري إنفاقها علي البيت مع راتبك المتواضع؟

أخشي ياسيدي أن تكون قد أغمضت عينيك متغافلا عما تفعله زوجتك استنادا إلي حسن الظن‏,‏ أو استسلاما لقوة شخصيتها‏.‏

سيدي‏..‏ نعم هناك ابتلاءات قاسية يختص الله بها بعض عباده الصالحين‏,‏ ولكني لا أميل كثيرا ـ في مثل حالتك ـ إلي هذا التفسير‏,‏ لأن تصرفات أبنائك تكشف عن غياب كامل لك وسوء سلوك وخلق ناتج عن فشل في التربية‏.‏
لن أقول لك ماذا ينتظر مثل تلك المرأة وأولئك الأبناء من عقاب إلهي‏,‏ قد يتأخر ولكنه حادث لامحالة فسبحانه وتعالي يمهل ولايهمل‏.‏
أما أنت فليس أمامك إلا الرضا بالابتلاء‏,‏ والدعاء لأبنائك بالهداية‏,‏ فالقادر ـ سبحانه وتعالي ـ علي الانتقام قادر علي الهداية‏,‏ وها هو عرضك للبحث عن شريكة لما تبقي في الحياة بين يدي القراء‏,‏ وعنوانك لدي لمن يريد‏.‏ وإلي اللقاء بإذن الله‏.‏





آخر تعديل بواسطة NEW_MAN ، 16-02-2006 الساعة 06:08 PM
الرد مع إقتباس