|
المنتدى العام يهتم هذا القسم بالأخبار العامه |
|
خيارات الموضوع | طريقة العرض |
#1
|
||||
|
||||
الكتاب المقدس رفيق رحلتي من الإسلام للمسيحية
الكتاب المقدس رفيق رحلتي من الإسلام للمسيحية بقلم| إبراهيم عرفات
إنها رحلة أشد رحالي فيها إلى الماضي دون خوف من أحد وكلي ثقة لا أبتغي بذلك سوى وجه الحقيقة والتي يجب أن أقولها سواء رضى عني الأهل والخلان أو غضبوا مني، فإن غضب الناس ونقيق الضفادع سيان. ما أنا مزمع أن أقوله لا أبتغي به استحسان المسيحيين أو غيرهم ولا أريد رضاهم فالبشر قد يصفقون لنا اليوم وغدًا يصرخون في وجه المسيح نفسه: اصلبه، اصلبه! حسبني في أنا مزمع أن أقوله الآن أني أنتصر على ذاتي وعلى الخوف وعلى استحسان الناس أو سخطهم. كلها سيانٌ عندي. وجه الله أطلب ولا أريد سواه. والله حاضر في كل مكان، لا يستأسر به دين أو إنسان. هو للجميع ويريد أن يكون الجميع له. أراك إلهي في كل ما هو حولي وكل ما هو يعلوني وأسفل مني. لا تحدك سماء ولا زمان. لست في السماء الثالثة أو حتى السابعة أو العاشرة بل أنت "أكبر" و"أعلى" من كل هذا. الله أكبر. الله أعلى. الله أعظم. وفي الوقت ذاته، أنت بداخلي ولم تترك خلية من خلايا جسمي إلا وكنت حاضرًا فيها ولولا حضورك فيها لما تحركت أنا خطوة واحدة للأمام بل لولا حضورك يا رب لكنت أنا الآن ميت. بدونك أنا فعلاً ميت. هل أنت إله المسلمين؟ هل أنت إله المسيحيين؟ هل أنت إله البوذيين؟ أنت إله الجميع والجميع يقتربون منك يا رب وبقدر قربهم منك بقدر تحنانك عليهم، فامنح عبدك المغلوب الضعيف وابنك إبراهيم رحمتك وحنانك حتى يراك في كل وجه إنساني يلقاه.. في كل دور عبادة أنت حاضر. سامحني يا إلهي لأجل قبح نفسي إذ أحكم على الناس بحكم انتماءاتهم ويفوتني أن كل هؤلاء من مسلمين وبوذيين ومسيحيين وملحدين وكفار وفجار إلخ مخلوقون على صورتك أنت وفي وجههم ينبغي أن أراك أنت؛ فساعدني حتى أرى بهاءك وضياء وجهك في وجوههم وأتجاوز الشكليات وأنظر بعيونك لصورتك في وجوه كل الخلائق التي صنعتها يداك ببديع الصنع. ساعدني أن أرى في الآخر صورتي أيضا وأنه/ أنها مرآة لي ومن خلالهم أعاينك وأعاين حضورك إذ الآخر هو أنا وأنا هو الآخر. في كل نفسٍ بشرية، أيًا كان دينها، توق فطري إلى الجمال وحب الخير. ومصدر هذا التوق، ومصدر كل جمال وكل خير، إنما هو الله، باريء البرايا. وإنّ تدبر هذا وتأمله لسوف يغدق على النفس جمالاً وخيرًا من شأنهما أن يقودا النفس إلى أن تتأمل الله وتتدبر أحكامه فتهيم به وتعشق ناموسه المحفور في كل هذه النفوس الآدمية ويردها إليه فتنتعش هذه النفوس وتتظهر بحبه وتجد اكتمالاً بالاتحاد به وحده فتغتني بالرب جلّ شأنه عن سائر الموجودات إذ يضحي الرب وحده عريس النفس وحبيبها الأوحد. إلهي، أراك حضورك في كل نفس ألتقيها لأني أبصر الجمال في وجوه كل الخلائق من مسلمين وملحدين وبوذيين وكفار مشركين.. جمالك لا يقف عند حد ولا يعطله شيء سوى قبح نفسي القبيحة. السموات تحدث بمجد الله والفلك وكل شيء حولي يخبر بعمل يديه. لا يوجد شيء حولي إلا ونطق الله فيه وبه. لكن ما أغباني من إنسان! أحدّ كلامه وأقول هو يتكلم فقط من خلال هذا الكتاب دون سواه! المجد لله الناطق في مزامير أخناتون وشعر طاغور. هبني الأذن لأسمع صوتك في كل وسيلة تستخدمها للحديث إلي يا إلهي.. وتكلم لأني أنا عبدك الضعيف سامع وكلي الآن آذان صاغية. اجعل حواسي رقيقة مرهفة لسماع ذاك الصوت الإلهي وانزع عني أي غلظة تحول دون سماعي وإلا فكيف أعيش دون أن أسمع صوتك يا رب! لا تصرف وجهك عني. أسمعني صوتك أيها الحبيب. صوته الحلو أتاني، وبحنان حبه نداني. يا ابن الله الحي، أضع نفسي أمامك الآن ساجدًا أمام صليب محبتك وأقتبل ذاتي لا من نفسي ولكن منك لأن ما يأتي من ذاتي هي لا يتجاوز الوهن والأنانية وأما ما أقتبله منك فهو صنيع يديك أنت وخليقتك الجديدة يا ذا الجلال والإكرام. كنت أسمع الشيخ حسيب في كتّاب القرية يلقي علينا الدروس ونحن أطفال وأحيانًا كان يخصص الخميس من كل أسبوع لإلقاء الوعظ علينا من القرآن. لا زلت أذكر صوته يجلجل وهو يرفع بإصبعه في الهواء واعظًا محدثًا إيانا عن التوراة والإنجيل ومجيء سيدنا عيسى بن مريم حكمًا عدلاً في آخر الزمان. لا زلت، وسأظل أذكر الشيخ حسيب بإعجاب وتقدير. ذات مرة نفد صبره معي أثناء تلقيني الدرس فلطم رأسي بالبرتقالة وسال العصير في كل مكان في رأسي. إنجيل! ما أعذبها من كلمة وكم تمنيت لو أنه يُتاح لي قراءة آياته البينات مثلما أُتيحت لي قراءة آيات القرآن! ولكن الله لا يترك نفسه بدون شاهد؛ فعندما استأجر شخصان غرفة في بيتنا المتواضع كان واحد منهما قبطي ومع مضي السنين وجدت قصاصات ورقية كان قد تركها وأنا عمري لا يزال عمري أقل من خمس سنوات وكانت هذه القصاصة تحكي قصة معجزة من معجزات المسيح عندما أطعم ما يزيد على خسمة ألاف شخص بـ سمكتين وخمس خبزات. لم أكن أقرأ ولم يكن أبواي الأميين يقرآن أو يكتبان ولكن عناية الله شاءت أن تمكث هذه القصاصات في بيتنا حتى أتعلم القراءة والكتابة في يومٍ من الأيام. قرأتها وسحرني ما فيها من كلام عن المسيح وأقواله الجميلة لتلاميذه وكانت هذه أول مناسبة ألمس فيها العناية الإلهية وهي تجهزني لسماع الإنجيل، خبر الله السار، وقد كانت بمثابة قطرة بالروح أرتشفتها ولكني تعطشت متلهفًا لقراءة المزيد من الإنجيل ولكني لم أجد. تمضي السنين وأنا أختلس النظر لكتب الأقباط المدرسية ولم أجد طريقة عرض المسيحية في هذه الكتب جذابة أو مشوقة لغير المسيحيين فمللت سريعًا. ولكن وأنا في الثانوية العامة بمدرسة إكياد بالشرقية استمعت بالصدفة المحضة لمحطة إذاعة حول العالم ودفعني الفضول لمتابعة ما يقولون. في البدأ، بدأت أسخر وأتندر بهذه الأسماء. هذا يهوذا الإسخريوطي وهذا زكا العشار. طرافة هذه الأسماء جعلت فضولي يزداد. ما معنى زكا العشار؟ ما أفهمه أن الفلاحين عندنا يقومون بـ"تعشير البقرة" ولكن لماذا يكون زكا "عشار"؟ وما المقصود بـ عشار؟ أعتقد أن هذه دعوة لإعادة النظر في كل هذه المصطلحات وصياغتها بلغة نفهمها كلنا والسعي باجتهاد لتقريب الألفاظ والمعاني للمسلمين حتى يتم حقًا تبشيرهم. ولكن ذات السخرية والضحك من كل هذه الأسماء في الكتاب المقدس هما ما دفعاني للتعلق أكثر بالكتاب المقدس. أتيته متهكمًا فاصطادني لنعمة الله! وكلما قرأت الإنجيل منذ ذلك الوقت كلما زاد تعلقي أكثر به وحبي الشديد له. تحول الكتاب المقدس من كتاب كنت أحتقره وأضع حذائي عليه وأنا أجلس إلى مكتبي على أساس أنه كتاب محرّف يفتري على الله الكذب إلى كتاب ألهج به وأضعه إلى جواري وأنا نائم وكأني أعانق الله في كلامه في الكتاب المقدس. وإلى الآن وعادتي لم تتغير فلا يزال إلى جوار سريري نسخة أنيقة من الكتاب المقدس بترجمة أدبية موسيقية عذبة قام عليها الأباء اليسوعيين الذين تعلقت بهم أكثر فأكثر كلما قرأت لهم وتعرفت إليهم كأشخاص. من طريف الأمر أن الفصول التي تندرت بها وسخرت منها في الكتاب المقدس كانت هي ذاتها ما كان يبعث على التشجيع والسلوان والعزاء الروحي وقت الاضطهادات وفي مقدمة ذلك سفر إشعياء وما فيه من صور تشبيهية كأن يأتي الله راكبًا الغمام إلخ. ما استخففت به في وقت مضى كان هو غذائي وزادي الوحيد وقت الأزمة وما أتيت إليه في شديد اللهفة ولم ينفع سواه معي وقت الاضطهادات. عندما كان عمري أربعة عشر عامًا انضممت إلى جماعة الإخوان المسلمين بالقرية وأنا لم أعرف أنهم كانوا الإخوان فقد كان دأبُ غالبية الصبية بالقرية الانضمام لحلقات الذكر وحفظ القرآن وكانت المعارف إما دينية أُحادية أو لا. وما إن انتهيت من صلاة المغرب في مسجد المحطة حتى اقترب مني رجلان، سليمان كحوش ومحمد إمام. كانا بشوشين لطيفين ودودين معي وطوال معرفتي بهما. قال سليمان كحوش: أنا الأخ سليمان. وقال محمد إمام: أنا الأخ محمد إمام. فأجبتهما: وأنا إبراهيم عرفات فبادرا بلطفٍ إلى تصحيحي وقالا: الأخ إبراهيم عرفات. ومنذ ذلك الوقت عرفت أني "أخ" وضمن جماعة يربطها التآخي على قول لا إله إلا الله ولا تفترق إلا عليه ومن ثم دعينا بـ "الإخوان المسلمين" ولم أرَ باسًا في ذلك فالأخوة لا تعيب أحد في شيئٍ ومادام كل ما كنا نهتم به هو حفظ القرآن والسعي لإقامة سنة المصطفى وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا. وفيما بعد قاما بتعريفي بـ "الأخ" سليمان هاشم والذي عاملني أحسن معاملة وأكرمني وجعلني أشعر بوجودي كإنسان مثقف ويحمل رسالة ومن هناك فتح لي المجال لأن ألقي كلمة في المسجد وكانت كلمتي تأتي في المقام الثاني بعد كلمة الأمير وهو الأخ "سليمان عكيلة" رحمه الله والذي آلمني أن أعرف أنه قد توفي في حادثة سيارة. كنت صغيرًا وأنا ألقي أول كلمة لي في المسجد أمام حشد كبير من الناس وكان عمري لم يتجاوز الرابعة عشرة. وأذكر أن أول كلمة ألقيتها على مسامع الناس في المسجد كانت عن الطريقة المثلى للاحتفال بمولد النبي الكريم وقتئذ وقد حرصت على التشديد بأن الاحتفال لا يكون بأكل الحلوى وإنما يكون بالاقتداء الحسن الصادق بمثاله. لكم أحببت الرسول ومثاله طوال هذه السنين ولم يخامرني أدنى شك في صحة الرسالة الإسلامية بل كنت متشربًا بها إلى حد الولع والوله معًا. أيضا أحببت حفظ القرآن. لماذا؟ ألعله غسيل الدماغ المتكرر والذي يجعل المسلم منا مغلوبًا على أمره ولا يملك سوى أن يردد كالببغاء كل ما يُقال له؟ ولكن هناك أيضا سجع في القرآن مثل المعوذتين وسورة الإخلاص وهناك اللغة العربية والتي أحيانا تكون عذبة وأحيانا أخرى ركيكة ومملة في القرآن. والقرآن يعمد إلى أسلوب العصا والجزرة، الترغيب والترهيب. روح وريحان وجنة نعيم فيها نساء كواعب أي لهن أبزاز كبيرة وهذا جزاء المتقين في الجنة، وشجرة الزقوم وقيح وصديد مر وتعليق من الشعور وقلع أظافر إلخ للعصاة الضالين والكفار كذلك. ما أعجبني في الإخوان المسلمين هو أنهم احتضنوني وأعطوني من الشأن الرفيع والقدر العالي وسطهم ما لم أكن أحصل عليه خارج دائرتهم ودعموني في ميولي المعرفية وحبي للثقافة والكتب. الكل في منطقتنا كان يناديني "الشيخ إبراهيم". الحاج حسن الخياط اشتكى إلى والدي وقال إني مصيري سيء وأني أسير في طريق يؤدي للمعتقلات. غضبت من وشايته. قام الحاج حسن الخياط ووالدي بحرق كتبي الإسلامية السلفية للشيخ محمد بن عبد الوهاب وشرح العقيدة الطحاوية وكتب أخرى سلفية أنيقة ناعمة الملمس ولكن رخيصة الثمن وقد تمت طباعتها بأرض المملكة العربية السعودية. قاومني والدي في ذلك الوقت وضربني وأذكر جيدًا أنه بعنف ضرب سنتي الأمامية المكسورة حديثا في حادثة سيارة إذ هو لم يشأ أن ينضم ابنه إلى جماعة "السنية" وقام كعادة الفلاحين بالحلف بالطلاق أني لا أصلي فيما بعد في جامع المحطة. كنت أجلس خارج جامع المحطة والحزن يعتصرني لأنه قد تم اقتطاعي من جماعة الإخوان ولا أقدر أن أجلس معهم وأشترك في أمورهم بعد أن كنت أصوم معهم كل اثنين وخميس وأفطر معهم على التمر والخبز والجبنة القريش وكل هذه جاد به الأخ محمد إمام بكرم منقطع النظير. وجدتهم فيما بعد يعطوني منشورات صادرة عن الجماعة الإسلامية تحظر علينا سماع الأغاني الدنيوية وهم في هذا التشدد يشبهون كثير من المسيحيين بمصر وبخاصة أبناء الطائفة الإنجيلية إذ الكثير منهم سلفيون في تفكيرهم بشكل متعب للنفس مزعج للروح الحرة الطليقة التي تكره القيود والإملاء بالأوامر. كل هذا زاد من تعلقي أكثر بالإخوان المسلمين وحبي الشديد لهم وسلواني في هذا هو الآية القرآنية القائلة: أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ. مصطلح الفتنة متأصل في الذهنية الإسلامية بشكل يبعث على الاضطراب ومن ثم كان القهر والرغبة في محاولة بسيط السيطرة بالقوة وكل هذا درءًا للفتنة. لم يكترث أحد من الإخوان لأمر الأقباط في قريتنا ولكن صديقي القديم صابر أحمد هارون كان حريصًا على تذكيري بأن القرآن يحثنا على عدم اتخاذ ال***** أصدقاء لأن القرآن هو الذي قال "لا تتخذوا اليهود وال***** أولياء." بدأت الحيرة تستولي علي والفضول يباغتني من حين لآخر متسائلاً: ما سر ضيق القرآن صدرًا بأحوال ال***** وتحريضه للمسلم على تجنبهم وتضييق الطريق عليهم إلى أن يدخلوا في الإسلام؟ هل الله إقصائي إلى هذا الدرجة؟ أليس هو خالق هؤلاء البشر جميعًا؟ ولماذا يقول لنا بالشيء ونقيضه في القرآن: تارة يقول لنا إنه لو شاء الله لجعلنا أمة واحدة وتارة أخرى يعارض ما سبق قوله مؤكدًا على أن الدين عند الله الإسلام ومن يبتغ غير الإسلام دينًا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين؟ كنت أرى طيبة القلب في كثير من الإخوان المسلمين حولي فأقول لنفسي: من يدري؟ فلربما صديقي صابر قد تسرّع وأساء الفهم، وربما هو لا يأخذ بأسباب النزول، وربما وربما. . .هذا الازدواجية في القرآن، ازدواجية الناسخ والمنسوخ، جعلت منا كشعوب عربية أشخاًصًا مصابين بالفصام الديني والسلوكي لأن القرآن وإذ قد يأمر بالتسامح مع ال***** في موضعٍ ما تراه في ذي موضعٍ آخر يحضك على النفور من هؤلاء ال***** لكفرهم وقولهم إن المسيح هو الله. هذا يؤكد مزاجية الوحي القرآني عند محمد وكيف لا هو نفسه لا يأمن مكر إلهه الذي نعته بما لا يليق بالله قائلاً عنه إنه خير الماكرين، والله في كل هذا براء مما قاله محمد لأن كلام الله ثابت ولا يتبدل ولا ينسخه شيء لأن النعم فيه هي النعم والـ لا فيه هي الـ لا ولا يبدل أو ينسخ ما يقوله أو يخلف ما وعد به. ولكن كيف نقول إننا نؤمن بكتاب ونحن لم نقرأ ما فيه؟ القرآن يخبرنا أن المسلم يؤمن بالأديان السابقة وبالتوراة والإنجيل. فإنْ قلنا ما المانع إذا أن نقرأ الإنجيل المسلمين ونسعى للاستفادة منه قالوا لك يا أخي العزيز أنت تؤمن به كسائر إيمانك بالغيبيات مثلما تؤمن بالملائكة والجان. جيد، وما المانع أن أتصفح نسخة من نسخ الإنجيل من باب العلم بالشيء؟ عندها يجيبوك أن الرسول ذات مرة شاهد عمر بن الخطاب يحمل نسخة من التوراة فأخذته الغضبة الشديدة وصاح في عمر: كفى بقوم ضلالة! إنْ كنتم تفعلون هذا وأنا معكم فماذا تفعلون بعد موتي؟ وقد حرص الأخ محمد إمام، مرشدي ومعلمي في جماعة الإخوان بالصالحية، على أن يذكرني بمقولة "كفى بقومٍ ضلالة" مرارًا وتكرارًا لعله يثنيني من مجرد الاهتمام بكتاب كالإنجيل. تبسمت عندما سمعت هذه المقولة وشعرت أنها تشبه ما يقوله الرجل الهرم الطاعن في السن لزوجته من فرط غيرته عليها ولعدم ثقته بنفسه. وكيف لا والقرآن كتاب يبعث على عدم الطمأنينة ويزيد النفس اهتزازًا وأرقًا واضطرابًا؟ إنه كتاب التهديد والوعيد، ولا يعطيك حق الاختيار أن تقبله أو ترفضه بل يستبد بمشاعرك ويبث الرعب في نفسك وما أدراك ما أهوال يوم القيامة وقصصها المسترسلة والتي تخاطب الوعي الصبياني عند صبيان المكاتب. لم يلجأ المسيح ولو لمرة لاستخدام أسلوب التهديد والوعيد لجذب الناس إلى دعوته بل تراه دائما يعطيك حق الاختيار التام فيقول: "من أراد أن يتبعني...." و "من أراد أن يشرب من الماء الذي أعطيه" إلخ... وشتان بين أسلوب التهديد والوعيد القرآني وأسلوب المسيح والذي يحترم حقك الكامل كإنسان راشد في الاختيار. لم أستسلم لتحذيرات الشباب في جماعة الإخوان عندنا بالصالحية وحاولت قدر المستطاع أن أحصل بشكل أو بآخر على نسخة من الإنجيل.. ولكن كيف أحصل على الإنجيل وأنا أقيم في قرية مسلمة ولا توجد بها مكتبات مسيحية؟ لكن عناية الله ساهرة وتسعى للعمل بشتى الوسائل لتلبية ما نحتاج إليه مادام هذا هو اشتياق القلب. كنت أستمع لمحطات الراديو بهدف التسلية وأيضا تعلم اللغة الإنكليزية وذات مرة بعد أن قضيت سهرة جميلة مع الأغاني العربية لسماع محطة مونت كارلو سمعت البرنامج الإنجليزي وكان يقدم تأملات بطيئة على الإنجيل فكنت أفهم معظم ما يُقال. من الطريف أن تعلمي اللغات قد جاء متزامنًا مع رحلتي الإيمانية والاثنان دومًا في حياتي يتلازمان. طلبت الله لذاته فأعطاني كل عطاياه "فوق البيعة" بما فيها موهبة تعلم اللغات. أتيت الإنجيل ساخرًا متهكمًا في البداية وإذ بالسخرية تتحول إلى فضول ويبدأ روح الله القدوس بالحركة الحارة في قلبي ويستميلني تدريجيًا إلى شخصية المسيح. ليس مطلوبًا منك أن تشرح للمسلم كل شيء في البداية بل يكفي أن تعطي جرعات صغيرة وفيها تخاطب وعيه البدائي البسيط ومع الوقت ومن شدة تعلقه هو بالمسيح سوف ينجذب المسلم أكثر فأكثر لشخصية المسيح ويهيم بها وعندها لن يهمه إن قلت له إن الثالوث ثلاثة أقانيم أو أربعين ألف أقنومًا بل كل ما سيشغل باله عندها هو كيف يحيا للمسيح ويكون كبولس أسير محبته وخادمه الأمين. لا تنشغل بشرح كل العقائد المسيحية بل دائما ارجع بالمسلم لنقطة البداية والتي هي محك المسيحية: من هو يسوع المسيح يا فلان بالنسبة لك؟ ما رأيك في شخصيته؟ هل لها مثيل؟ وجدت مع الوقت أني كلما قرأت الإنجيل كلما تشربت به أكثر فأكثر ولم أعد قادرًا على مقاومة الإنجيل بل صار الأمر كما لو كان في الإنجيل مغناطيس يشدني دائما لقراءته برغم كل هذه التحذيرات. إنه مغناطيس الروح القدس الذي ينخس القلب لتدبر نعمة الله ومحبته العميقة لكل البشرط من دون أن يتشارط عليهم. الأخ عبد الحكيم هاشم يحصل على الإنجيل وهو الطالب الأزهري وقد كتبت الرسالة بالنيابة عنه لإذاعة حول العالم وما إن وصل الإنجيل حتى أخذته منه وعكفت على القراءة فيه وكلي شغف. بدأ الشباب في الصالحية يسخرون مني ويقولون: يا نصراني. يا مبشر. يا كفتس. ثم يرمونني بالطماطم الفاسدة والبطاطس العفنة الرائحة ويقولون بازدراء: يا مبشر. في الأساس كنت أكره كلمة مبشر كراهية شديدة وأتعجب كيف ينادونني بما لست أنا فيه. هل كانوا يرتأون ما لم أرَه في ذلك الوقت؟ كنت أدافع عن نفسي بأني لست نصراني ولكني مسلم موحد بالله وأني أقرأ الإنجيل من باب العلم بالشيء لا الجهل به. كنت أقرأ الإنجيل بذهني الوعي ولكن في الوقت ذاته كان قلبي يهيم بشخصية المسيح الفريدة والتي لا مثيل لها ومن الظلم أن أضعها موضع مقارنة مع محمد بن عبد الله فشتان بين من عاش حياته باذلاً نفسه عن الآخرين وبين من كان رزقه تحت رمحه يسفك الدماء لعله يوسع نفوذ دولته الإسلامية. وفي السنة الأولى لدراستي في كلية الآداب تعجبت من التوافق العجبيب بين ما تفيده علوم الأثار بمصر وبين ما يقوله الكتاب المقدس. بهرني الصدق التاريخي للكتاب المقدس وهو يشرح كم أن هذه الأمور التي ندرسها في مادة التاريخ المصري الفرعوني مذكورة بنصوص مفصلة في الكتاب المقدس. وعندما جاتني نسخة من إنجيل لوقا فيها نصف الصفحة بالعربية والنصف الآخر بالانكليزية وقرأت موعظة الابن الضال انبهرت من الطابع العصري للكتاب المقدس فهذه القصة كان يمكن لها أن تحدث في عزبة أو قرية من قرانا بمصر حيث يذهب الابن ويطالب أهله بحقه في الميراث ويبدد ميراثه ويعود لأبيه تائبًا مع فارق أن الأب في مثل الابن الضال ليس متسلطًا كعادة أباءنا في الشرق ولا تراه يعترض طريق ابنه وهو يهرول للخروج من بيت العيلة ولتبديد الثروة ولكن في كل هذا يحترم الأب حق ابنه في الاختيار وحقه أن يقع في الأخطاء بإرادته وكي ما يتعلم من أخطاءه لأنه متى عاد فسوف يفعل الصواب عن قناعة وحب لا عن إكراه وخوف من عذاب النار كما هو الحال في الإسلام. كثيرًا ما تمنيت لو أني أتخلص من هذا الاهتمام بالمسيحية وأرجع مسلما كما كنت ولكني لم أقدر أن أقوم شخصية المسيح ولا حبي للترانيم المسيحية والتي فيها يرتفع القلب بالحب لإله هو أب للإنسان لا نرهبه أو نعبده عن خوف من عذاب النار بل يرسل روحه إلى قلوبنا صارخًا "يا أبا الآب". ذات مرة أمسكت بالكتاب المقدس وهممت بإلقاءه في الترعة وفي حين أنا واقفي المصلية والتي كنت أؤدي فيها فروض الصلاة الإسلامية وأواصل باستذكار دروسي حتى وجدت قوة علوية في باطني تمنعني من رمي الإنجيل في الترعة وتشدني لأن أفتح الإنجيل وأقرأه. فتحت الكتاب المقدس عشوائيًا فوقع الاختيار على نبوءة إشعياء 53 والتي تصف شخصية المسيح القادم ليهب البشرية الخلاص وكم أنه سوف يتم ذلك بآلام وجراح محبته ولكم اندهشت من انطباق أوصاف المسيح على ما جاء في هذه النبوءة كلمة بكلمة وحرفًا بحرف. وسط الصراع النفسي المرير وأسئلتي الغزيرة عن الكتاب المقدس كان الله بروحه يعود بي دائمًا لسؤال جوهري: من هو المسيح لك يا إبراهيم؟ قبل نزول المسيح إلى عالمنا الأرضي بمئات ومئات السنين تأتي نبوءة إشعيا وتصفه بدقة فيما هو مزمع أن يكون عليه ويقوم به: لقد حمل هو آلامنا وآحتمل أوجاعنا فحسبناه مصابا مضروبا من الله ومذللا. طعن بسبب معاصينا وسحق بسبب آثامنا نزل به العقاب من أجل سلامنا وبجرحه شفينا. إنه الصليب والذي لا يفارق كيان المسيح منذ لحظة ولادته وحتى النهاية، وبجراح الصليب هذه يُبرئنا الله من ذنوبنا وأمراض نفوسنا وأمراض أجسدانا كذلك. ولأن الشيطان يكره الصليب إذ به تم دحره مرة واحدة وللأبد فأول ما يخرج من فم المسلم الغاضب للمسيحي هو أن يقول له: يا صليبي! وسائر هذه النعوت القبيحية ذلك أن الشيطان يكره الصليب كراهية شديدة وعمله يتبدد ويُقوّض بالصليب. وعندي مسيحية بلا صليب لا قيمة لها بل هي مجموعة من الشعارات الإنسانية الطنانة الرنانة وإلهنا ليس إله المواعظ والكلام بل هو إله البذل والفعل ومن ثم قال بولس عنه: إنه أحبني وجاد بنفسه لأجلي (غلاطية 2/ 20). وبعد صراع عقلي دام لمدة سنتين وأنا أبحث عن الحق وأسافر من مدينة لمدينة سائلاً شيوخ المسلمين وأيضا أتراسل مع الإذاعات المسيحية بُغية الحصول على أجوبة لأسئلتي لم يكن من جواب أفضل من جواب الله بنفسه على القلب. كنت من الناحية العقلانية قد وصلت إلى مرحلة فيها اقتنعت تمام الاقتناع بما تقوله المسيحية من أن الله أب ولا ضرر في أن يكون المسيح ابن الله بما أن هناك ألفاظ مجازية من قبيل ابن النيل وابن الدلتا وابن مصر البار إلخ ولكن من كان ليُطلق قلبي حرًا طليقًا ليكون للمسيح؟ تضرعت إلى الله حتى وأنا في المسجد ذلك وكما علمنا الإسلام إنه أقرب ما يكون العبد لربه وهو ساجد. دعوت الله في سجودي: يا رب، أدعوك يا إلهي أن تظهر لي الحقيقة بنفسك فإن كانت في الإسلام فلتكن من نصيبي وتريحني من مشقة وعناء هذا البحث والتساؤل وإن كانت الحقيقة في الإسلام فأرجوك أن تظهرها لي بنفسك كذلك لأنه أينما كانت الحقيقة فهي أحق بأن أتبعها وسوف أدعو الناس مناديًا فيهم باتباعها طيلة حياتي مهما كلف الثمن. وذات ليلة رأيت فيما يرى الرائي في المنام حلمًا فيه يقول المسيح لي "أحبك" بصوته العذب الرقيق فانخرطت في البكاء وشرعت أناديه: أحبك كذلك وأعرف أنك أبديّ وأزلي. وما إنْ استيقظت من نومي حتى وجدت عيناي ملأى بالدموع والفرح يملأ كل كياني ويدفعني للتسبيح بكل ما حفظته من ترانيم وصلوات مسيحية ولم أعد أخشى أن أرفع صوتي إلى الله بالصلاة في جرأة وثقة قائلاً: يا أبانا السماوي. شعرت بأن هناك جبلاً ثقيلاً كان جاثمًا فوق صدر قد أزيح عني وانقشعت غمة نفسي، وما هذا الجبل الثقيل إلا الدين المحمدي بكل ما يبعثه في النفس من قتام وتسلط وقيود تربط النفس وتكبّلها في حين الله يريد للإنسان أن يستنشق عبير الحرية وينطلق حرًا كالعصفور. تراني لماذ أقول هذا عن الإسلام؟ أين الاحترام للأديان الأخرى؟ ولكن هل يُطلب إلينا أن نجامل على حساب الحق؟ الإسلام لا أراه مجرد عقيدة ولكن هناك أيضًا "الروح الإسلامية" والتي تفوح أكثر فأكثر ممن يتشبثون بالدين المحمدي ويعضون عليه بالنواجذ. عشت في الإسلام العشرين عامًا الأولى من سنين حياتي وأقدر بصدق والله شاهد في ما أقول أن أقرّ بأن الروح الإسلامية هي: روح التسلط والقمع: الإسلام نظام اجتماعي متكامل يخضع له الجميع من يخضع هم المسلمون ومن لم يخضعوا بإرادتهم للحكم الإسلامي يتم إخضاعهم بالقوة الجبرية لأنه له اسلم من في السموات طوعًا أو كرهًا. روح العبودية والخوف: ترغيب وترهيب. سلوك العبيد. عبيد الرحمن. الخوف هو السائد إذن. أوامر وسلوك فيه التعامل على أساس إملاء الأوامر وكل شيء يرتكز على ما جاء في كتاب الله وسنة رسوله. سلوك العبودية والخوف. في المسيحية ربنا أعطانا روح التبني لا العبودية للخوف. حرية أبناء الله أم خوف العبيد؟ لا أعود فأسميكم عبيدًا، يقول المسيح، بل أصدقاء. إيمان بلا خوف هو إيمان على مستوى المسيح لأن المحبة الفائضة من أحشاء المسيح تطرح عنا كل خوف. إيمان مقرون بالخوف من عذاب النار والتهديد والوعيد هو ما أقصى ما يجود به الإسلام على تابعيه. روح الغضب والقهر: تكفي شخصية عمر بن الخطاب والذي يقولون عنه إنه كان لا يخشى في الحق لومة لائم. يغضبون لأتفه الأسباب ويقتلون. الرسوم الكاريكاتورية كمثال. البديل هو ترك الناس يتصرفون كما يشاءون لا إزهاق أرواحهم لفعلهم ما هو قبيح. روح الإقصاء والتفرقة مادام الهدف هو بناء أمة إسلامية واحدة متكاملة وفيها الركيزة الأساسية لن تكون قائمة على المواطنة بل على نظام "مسلم وكافر". القرآن قال: أشداء على الكفار رحماء فيما بينهم. للكافر معاملة وللمؤمن معاملة ولا يستويان في التعامل لأن الأساس ليس المواطنة. التفرقة تكون على أساس الاعتقاد. ومن تلك اللحظة بدأت الصلاة وبالإنجيل كنت أركع وأصلي لأن الكتب المقدسة هي الله حاضرًا معي يكلمني أنا، وعندما أسمع كلماته فكأني أرى شفتاه تتحركان وتخاطبني أنا. النص يتنفس وينبض بالحياة ويفيض بها إذ قد نفخه الله تعالى من روحه لعلي أستقبل خيراته متى أنعم هو علي بالغوص في كتابه المقدس وعندها تدبّ فيّ الحياة دافقة فيّاضة. في كتابك المقدس يا رب، أنت إذ تتكلم، تخبرني بنفسك، وخبرك نعمة. أنت تتكلم وتقوم بتبليغ نفسك وبتبليغ كيانك لي بشكل مباشر وتفاهمك معي عندها هو تفاهم نعمة لا إملاء ولوائح وأوامر ونواهي لأننا كبار راشدون أمامك ولسنا أطفال في حضانة أو عبيد في الديانة المحمدية. أؤمن أن المسيح هو غاية كل ما كُتب في الأسفار المقدسة وما بعده من غاية أخرى بالمرة وأنت تفتح ذاتك لي وتشرح ذاتك لي في هذا الكتاب المقدس. مستحق هو الحمل الذي ذُبح والأسد الذي قام وأخيرًا مستحق هو السِِفر الذي يفتح ذاته. أفتح الإنجيل وأتلو أياته فأطلب من تحبه نفسي، أطلب الرب، ذاك الذي أحبه. تفصح عنه الكلمات ولا تحد حضوره في الكتاب المقدس. إنه المسيح، من وضع حدًا لكل شيء ولكن لا يمكن حبسه داخل حدود الديالكتيك والمنطق. لا يصح أن أكون مسيحي وأجهل الكتب المقدسة لأن جهل هذه الأسفار المقدسة هو في الواقع جهل بالمسيح شخصيًا. القديس بولس يقول إن هدفه برغم خسارة أشياء وأشياء هو "المعرفة السامية، معرفة يسوع المسيح ربي" (رسالة فيلبي 3/ 8). ومعرفتي بالمسيح من خلال أسفار الكتاب المقدس ليست اكتشافًا عقليًا أو نتيجة لرصف الأفكار إلى جوار بعضها البعض بل هو رباطًا حيويًا وثيقًا لأن الإنجيل ليس كأي كتاب بل هو في الأساس "أخبار سارة"، أخبار مفرحة. من هذا الإنجيل أروي ظمأي من ينابيع الخلاص فتلتهب روحي بالحب لله أبي والمسيح مخلصي. أصلي بالإنجيل فيصبح الله شخصيًا هو ينبوع كياني لا أستمد كياني من ذاتي فيما بعد بل أقول مع بولس إني به أحيا وأتحرك و"فيه يكون كياني"، وعليه أحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيّا. أتأمل هذه الأيات في كتابك المقدس يا رب فامنحني أن أخرج من ذاتي وألتقيك شخصيًا فأتذوقك في أعماق كياني. صحيح يا رب أنك ساكن في العلى ولكنك أيضًا ساكن في أعماقي بروحك فاسمح لي من فضلك أن أنتبه لذلك وأنا أتأمل آيات كتابك المقدس وروحك جوّانا يا رب يشهد لأرواحنا أننا أولاد الله (رومية 8/ 10). سأعاين أبوتك في باطني يا أبي السماوي والشهادة لأبوتك سوف تأتيني من داخلي وليس من معلومات أقرأها في نصوص هنا وهناك والمسيح هو محور الكتاب المقدس وفيه يقوم الكل. بداخلي أشواق حارة لك يا إلهي، وفي نفسي أنات لا يُنطق بها، وأطلب من روحك القدوس أن تحرّك فيّ هذه الأشواق. أريد أن تعطيني أرق في داخلي حتى أتجه إليك لا أن أركن في خمول إلى نفسي. لا تهدأ نفسي حتى تتلامس مع حضورك وأنا أتأمل في كتابك المقدس. والروح القدوس، الروح الناري، يضرم قلبي اشتعالاً بالمناجاة والوله بشخصك الحبيب. أنت قادر أن تفجر في داخلي ينابيعك أنت كما وعدت وقلت لي في إنجيلك المقدس إنه سوف تتفجر في باطني أنهار ماء حي، وبهذا أعاين يدك وهي تعمل في باطني وكل حياتي وأطيع صوتك وأنسجم مع خطتك وتكون طرقك أنت هي طرقي وأفعل مشيئتك أنت لا ما يحلو لي في مزاجيتي المتعبة. وبما أن كلامك "روح" وبهذا يهبني الحياة فاحفظني من عثرة الوقوف على الأيات وكأنها مجموعة تعاليم براقة أتجادل فيها وأنتصر لرأيي وما يتبدى لنظري لأنك أنت هو من أطلب عندما أتأمل هذه الآيات في الكتاب المقدس وأنت هو هدفي الوحيد من وراء التأمل في الكتب المقدسة ببساطة لأنك أنت هو الطريق والحق والحياة وأنت جامع لكل هذه فماذا أريد من الكتاب المقدس أكثر من ذلك! أحيانا نريد معارف عويصة في الكتاب المقدس وأشياء تفوق المعتاد لدى الناس الآخرين ونشبه فيلبس لما قال لك: أرنا الآب وكفانا. تنظر لأشواقنا وطموحاتنا الروحية وتطمئننا بأن من رأى المسيح فقد رأى الآب. لا نحتاج لأن ننظر بعيدًا جدًا بحثُا عن معارف روحية عميقة بل الكلمة ذاتها قريبة منا وفي فمنا، كما قلت لنا في توراتك المقدسة، وليتك فقط تفتح أعيننا كي نكتشف عمل نعمتك الإلهية في حياتنا الرتيبة بما فيها من هموم وأحزان وأوجاع وغيوم وسواد. وثمة مراحل عند قراءة الكتاب المقدس والتأمل فيما هو مكتوب فيه: المرحلة الأولى هي الـ لكسيو Lectio: هنا أقرأ مقطع من الكتاب المقدس وأعيد قراءته وأركز على العناصر البارزة في هذا المقطع. من الجميل أن يكون معي قلم في يدي حتى ما أعلّم على الكلمات البارزة التي تلفت نظري أو عبارات في الآية تستحضر رموز حية تكمن وراء الكلمات أو الأفعال أو المبتدأ أو المشاعر التي تتجلى في الآية. بهذه الطريقة يتحقق هدف مهم وهو إثارة انتباهي وذهني وتصوري وعواطفي ويتحرك شيء داخلي لدرجة إن الآية التي تعودت عليها وقرأتها مرات ومرات من قبل وأعرفها جيدًا تستعيد بريقها وتظهر لي جديدة وكأني أقرأها لأول مرة. وبرغم أني أقرأ الكتاب المقدس لسنين وسنين فكل مرة أمسك الفقرة هذه أو تلك، موضوع تأملي، فإني سرعان ما أكتشف فيها جوانب جديدة وأتمتع بكلمة ربنا والتي هي حية ووعودها دائما جديدة متجددة وتبعث على الانتعاش الصادق في النفس. إذا كنت منفتح على عمل الروح فهذا يمكن أن يستغرق مني وقت قليل جدًا لأن الروح هو الذي يفتح الآيات لي ويحرك قلبي ليرى بالروح ما لا تراه العيون العادية بنظرها المادي المجرد. ثم آخذ هذه الآية التي أتأمل فيها وأربطها بالآيات التي تجاورها أو بالسفر الواردة فيه أو حتى بالكتاب المقدس على بعضه وهنا أفهم الآية في سياقها الأوسع الأشمل وأستوعب ماذا تريد أن تقوله لي. المرحلة الثانية هي الـ meditatio أي التأمل وهنا أستغرق في التأمل وأسرح أكثر بالآية. النص فيه قيم راسخة ذات مغزى عميق. ما هي؟ في المرحلة السابقة نستوعب الأبعاد التاريخية والجغرافية والظروف البيئية التي يحدث فيها النص ولكن هنا السؤال ينتقل لبعد أبعد وهو: ماذا يريد أن يقول لي النص؟ ما علاقته بي وكيف تتكيف حياتي تبعًا له؟ في زماننا وجيلنا ما الرسالة التي يقدمها لنا النص اليوم وتتحدث إلى قلبي بشكل حي بما أنها كلمة الله الحية؟ في الآية "رسالة حية" أريد من ربنا أن يقولها لي بوضوح. وراء الأفعال والكلمات والموضوعات هناك قيمة راسخة دائمة فكيف تحركني هذه القيم؟ هل تحرّك في داخلي شيئا ما؟ استجابة ما؟ هل كلمة ربنا هنا تحركني لكي ما أخطو خطوة معينة أو سلوك معين أو أن أتخذ موقف معين؟ هناك تأثير لكلمة الله التي هنا هي أمضى من كل سيف ذي حدين وتحركنا لأن نتغير ونتخذ قرارات تعكس أثر كلمة الله في حياتنا. المرحلة الثالثة هي الـ Contemplatio والمقصود هنا هو الوله/ الشغف إذ تأخذ كلمة ربنا بشغاف القلب وتحركنا للحمد والتسبيح ونحن في حالة صمت وسكون لأننا الآن نعاين الله ونحن قائمون في حضرته وهو قد أصبح هدفي الرئيسي في الصلاة. أنا الآن ساجد بالروح أمام المسيح الرب والذي هو أساسًا أريد أن أصل له من البداية. هنا أطلب المسيح الرب قاهر الموت وكاشف الآب لي والوسيط الوحيد لي لنوال الخلاص وواهب فرح الإنجيل لي، ذاك الفرح الذي لا يُنطق به. هذه الخطوات الثلاث قد لا تتمايز وقد تتشابك إلا أن التقسيم بهذا النحو يساعد على التنظيم حتى يكون كل شيء بلياقة وترتيب يليق بهندام المسيح. هذه الطريقة اسمها "القراءة المصلية" أي أني أصلي بالكتاب المقدس. في هذه الصلاة أتأمل وجه الله وأتأمل سرّ يسوع وأطلب من الله الغفران، أطلب منه نورًا، أرفع إليه صلاة تقدمة مثلاً. من هنا تقودني الصلاة للعزاء وتمتليء نفسي من تعزيات الله وكلمته الفاعلة في روحي فأتذوق طعم الله وأتذوق الأشياء الخاصة بالمسيح. هذا يترتب عليه أن نخطو خطوات شجاعة فنختار اختيارات إيمانية بناء على حديث الروح وتحريكه لقلوبنا كالفقر والعفة والطاعة والإخلاص والصفح فلا نفعل أمور البر هذه وكأننا نطيع أخلاقية جامدة نكتسبها من الخارج كقناع أو مجرد فعل الخير والابتعاد عن الشر ولكن في طاعة لصوت الروح ملآنة بالفرح والهمة ونسعى وراء الأفضل، الأحسن في مشوارنا الروحي لأجل الرب ولأجل الكنيسة ولأجل العالم العطشان للخلاص. هنا الرب يستولي على القلب ونحبه من كل الكيان ونريد أن نتغير لنصبح مشابهين له فنتوافق معه. لأجل هذا نكتسب التمييز الروحي ويهبنا الله روح الإفراز/ التمييز لأننا الآن نتذوق الإنجيل وعليه نتعرف على العطور الروحية للأشياء المرتبطة بالمسيح وتزداد حساسيتنا الروحية رهافة على رهافة فنعرف مثلا أن هذا إنجيل في حين أن ذاك ليس من الإنجيل في شيء. ليس الغرض إجمالاً هو أن نحفظ جملة من الوصايا ولكن أن نتبع المسيح شخصيا إذ نسمع صوته نشم رائحته إذ ندخل ذهنه ويكون لنا فكره لأننا بداية حرصنا على أن نتذوق فقره وصليبه وتواضع مذوده وغفرانه. راجع فيلبي 1/ 9، 10، رومية 12/ 2. نحن لا نقرأ الكتاب المقدس بهدف الحصول على قوة لكي ما ننفذ ما نحن قد قررناه بل نحن نقرأ ونتأمل لكي ما تولد فينا قرارات صحيحة نتيجة عمل الروح في قلوبنا وعندها يعضدنا الروح ويساعدنا على تطبيق كل هذه بدءًا من الداخل عندي وليس مجرد طاعة عمياء تريد الاكتفاء بفعل الخير وتجنب الشر. في السريرة، في باطني حيث أنارني الله تراه يعمل عمله ويحركني بالروح لأتغير. قد تقول لي إنك مسيحيًا ولكنك لست متدينًا ولا يعنيك من كلامي شيئًا فأجيبك عندها: لا تقل أنا مسيحي غير متدين ولكن بالأحرى قل: أنا مسيحي وأحب مسيحـ(ي) وأفتخر به وأحب كنيستي وأفعل ما يُمليه الحبّ على قلبي. لا تفكر في التدين ولكن فكر بأن تكون ابن المسيح والكنيسة. افتخر بالمسيح وكن مرفوع الرأس به فهو عزك ورافع رأسك، فلما تطأطأ رأسك؟ ولماذا تتوارى بما لديك من كنوز الإيمان في الإنجيل والمسيح والكنيسة؟ إنّ العالم كله حقل لنا فلنفلحه ولننثر فيه الورود فتفوح رائحة المسيح الذكية للجميع، وننشر فيه بشارة السلام بشكل عملي بأن ندع محبة الله تتدفق منا للناس. عندما تفيض المحبة منك ويلمس الآخرون المسيح المحبة فيك فعندها يبدأ الروح القدس في تحريك قلوب المسلمين لأن المسألة ليست مجرد مأمورية والسلام ولكن علينا أن نسمح للآخرين أن يتلاقوا مع الإله الحي سر حياتنا من خلال حياتنا شخصيا. لو أردت أن عايز واحد عزيز عليك أو تبوس حبيبتك، فلن تفكر.بل ستتصرف عفويًا بدافع الحب. وهكذا حقل الرب. لا أريدك متدينًا ولكني أريدك تلميذًا ليسوع المسيح لأن التدين شكلي برّاني وأما التلمذة ففيها تمتد جذورك لتصبح متأصلاً في شخص المسيح وتستمد حياتك منه هو وترتوي ما تقدمه لك الكنيسة. سيدي يسوع المسيح، يا من دعوت بطرس وأندراوس ليكونا تلميذان لك يتبعانك اجعل مني تلميذُا حقيقيًا لك، لا بمجرد طاعة جملة من التعاليم لك هنا وهناك بل بأن أسير في خطاك أنت وأسير ورائك أيها المسيح الحيّ. بهذا أنت القائد وتقودني وأكون لك تلميذًا. في أي طائفة مسيحية أنا؟ لا أطمع في أكثر من أكون لك تلميذًا. أمشي ورائك حيثما مشيت وأخدمك وأخدم كل البشر على اختلاف أديانهم وانتماءاتهم الشخصية. ولكن، سيدي المسيح، كيف أتبعك إن لم تكن أنت الذي دعوتني لأتبعك؟ إنْ لم تدعوني أنت فلسوف أتخبط في ظلام الماضي الذي منه أتيت ومجاهل نفسي الحائرة. لن أكتفي لمجرد الإصغاء لتعاليمك يا حبيبي المسيح بل أريد ما هو أكثر من ذلك بكثير وهو أن أتعلق بشخصك فأحيا بك لا بأفكاري ولا بفلسفتي ولا بعقلي ولكن بك أنت فقط أحيا وأتحرك ويقوم كل كياني. أنت روحي وعقلي كمان يا يسوع المسيح. سبيت كياني. أنفعل بحبك. أشهد لملكوتك وأشارك في الحصاد. كم كنت مختلفًا يا سيدي المسيح عن باقي المعلمين اليهود في زمانك إذ أنهم في حين يعلمون الناس بتعاليمهم الجميلة فأنت طلبت منهم وتطلب مني اليوم أن أرغب عن نفسي وأحمل صليبك لعلي أحظى بشرف السير وراءك.
__________________
(من يُقبل اليَّ لا أُخرجه خارجاً )( يو6: 37) (حينئذ يسلمونكم إلى ضيق و يقتلوكم و تكونون مبغضين من جميع الأمم لأجل إسمي) ( مت 24:10 ) مسيحيو الشرق لأجل المسيح http://mechristian.wordpress.com/ http://ibrahim-al-copti.blogspot.com/ |
عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف) | |
خيارات الموضوع | |
طريقة العرض | |
|
|
مواضيع مشابهة | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | الردود | آخر مشاركة |
هذا ليس الإسلام الحقيقي | emad62 | المنتدى العام | 2 | 11-10-2011 02:44 PM |