إن قوله أن العبرة بالمبادئ و القيم التي هم حراسها ، يعني أننا قبل الغزو العربي الاستيطاني لم نكن نعرف الضمير أو الأخلاق أو القيم أو البعث و الحساب ، و كلها مدونات مصرية قديمة محفورة في مختلف متاحف العالم ، عرفنا المساواة مبكرين لأنه لم يكن عندنا فقه حنفي أو حنبلي في أصول العبودية و نكاح السبايا و مفاخذة الرضيعة ، فلم يكن عندنا حر و لا مملوك و لا ذمي و لا جارية و لا أم ولد ، كانت حرية العبادة مكفولة لكل مواطن ، و في دولتنا المسلمة الحالية و كما يرى أبو الفتوح ، فإن حرية العبادة مفقودة ، كما هي مفقودة في مشروع الإخوان البديل لحكمنا كعبيد لورثة الفاتحين .
و في إنكار أن يكون الإخوان كبقية الفرق ممن يكفرون المجتمع ، و استنكار لهذا التكفير ، يؤكد : أننا نحن الإخوان لسنا كبقية الفرق التي تكفر المجتمع .
إذن ماذا يعني اسمكم العلم ( الإخوان المسلمون ) ؟ ألا يعني أنكم الإخوان المسلمون ، و أننا و بقية شعب مصر المسلم الطيب من غير المسلمين ، يعني كلنا ( الإخوان الكافرين ) ؟ ! أليس أسمكم وحده تكفيراً علنياً واضحاً لكل شعب مصر ؟
اللهو الخفي في مضامين كلام أبي الفتوح ، أنه يرى أنهم عندما يصلون إلى السلطة فلن يكون هناك أحزاباً أخرى تخوض المعركة الديموقراطية للوصول إلى الحكم ، لأنه كما قال في فلتة لسانية : " ليس غريباً أن يفشل فصيل إسلامي فيأتي فصيل آخر " ، و المعنى إنهم عندما يصلون إلى الحكم سيكون تداول السلطة بين الفصائل الإسلامية وحدها . يفشل فصيل فيأتي فصيل ، هذا كلامه هو و ليس كلام غيره .
هل تسمعون يا أهل مصر ؟ هل ترون إلى أين يأخذكم الإخوان ؟
***
تتالى فلتات القطب الإخواني عبد المنعم أبو الفتوح اللسانية و تتكاثر و هو يقول : " نحن ضد الخروج على المبادئ الإسلامية ، و ضد الاستبداد السياسي في العالم الإسلامي ، و نحن مع الإرادة الشعبية الحرة و الحريات ، و مع أن الدولة مدنية و ليست دينية ، فيحكمها المدنيون المتخصصون في مختلف النواحي ؛ إلا أنها إسلامية في شتى المناحي " .
بداية حتى نفهم أبا الفتوح نتساءل : هل يشير إلينا أين هي الإرادة الشعبية في فقهنا ، و أين هي الدولة المدنية في الحديث النبوي ، و أين هي الحريات في تاريخ الخلافة كلها راشدة أو غير راشدة ؟ أين سورة الدولة المدنية في القرآن ؟ أين آية الدستور ؟ أليستا أهم من الفيل و البقرة و النمل و الجن ؟ إذا كانت الدولة مدنية أو غير مدنية ضمن اهتمامات الإسلام ، فلماذا لم يتنزل وحياً سورة الإرادة الشعبية ، لماذا ليس لدينا باب في صحاح الأحاديث بعنوان حقوق الإنسان مثله مثل باب النكاح ؟ إن إخواننا الإخوان يفرشون بيتنا العتيق المسكون بالأشباح و الإخوان و الغيلان ، من أحدث بيوت الخبرة السياسية العالمية ، من بيت فولتير و جان جاك روسو و مونتسكيو ، من مبادئ الثورة الفرنسية ، ومن قيم الأمم المتحدة ، و هي مبادئ و قيم لم تكن موجودة في قاموس البشرية كلها قبل ظهور أصحابها .
و ضمن انتصارات جماعة الإخوان غير المشرفة لاستخدامها أساليب صراع غير نظيفة ، هو تمكنها من تزييف وعي الناس بهدف خلق وعي مزيف و رأي عام مصنوع ملعوب فيه ، فئوي ، طائفي ، رأي عام لا يعبر عن الصالح العام ، بينما الصالح العام هو الغرض النهائي للعملية الديموقراطية برمتها ، فإن لم يعبر الرأي العام عن الصالح العام تكون اللعبة كلها مزيفة ، و على مثل هذا الرأي العام الفاقد الوعي بصالحه العام يراهن الإخوان . لقد تمكن الإخوان عبر أجهزة الدولة الإعلامية جميعاً من عقل الناس و تزييف وعيه ضد مصالحه ، من أجل مكاسب فئات بعينها على حساب الوطن كله بناسه و أرضه و تاريخه و مستقبله ، إنها جريمة إبادة شاملة لوعي الإنسان بمصالحه ليكون إنساناً حراً غير مسير ، هي إبادة أجيال بكاملها بخطب منبرية ، فيتحول المسلم في لحظة إلى وحش كاسر ضد أشقاء الوطن لأن رساماً بالدانمرك تكلم بالسوءعن النبي . و هذا الكاسر هو الإنسان الجاهل المتخلف العاري الحافي الجائع المريض ، و مع ذلك كله يسير مهموماً بفلسطين و العراق و يتظاهر ضد أمريكا ، و لا يتظاهر ضد الفقر و الجهل و المرض و الاستبداد و ثراء السادة الفاحش و السفيه من ( سلاطين و فقهاء و راقصات ) ، على حساب باقي بني الله في الوطن . المأساة أن ما يحدث بين الحكومة و الإخوان من مظاهر اختلاف خادعة ، لا يخفي مدى الاتفاق على الكذب على الناس و تبرير كل فساد ممكن عند الطرفين ، و تزييف الدين و هم يقدمونه للناس على اتفاق بينهما ، بذات المنطق الذي حكمت به الخلافة عبر تاريخها الطويل ، تاريخ لم يعنيه يوماً الصالح العام ، بل صالح الحاكمين و الملتحقين بهم و على رأسهم المشتغلين بالدين على المواطنين .
إن أبا الفتوح يطرح علينا نظاماً إسلامياً لدولة الإخوان المرتجاه ، فهلا أشار لنا أين توجد هذه الدولة في إسلامنا ، فقهاً أو حديثاً أو قرآناً أو سيرة أو حتى شعراً ؟ الموجود في كل هذه المصادر نظام عقابي لا نظام قانوني حقوقي ، الموجود لدينا فقه عبودية و جهاد و حرب و سبي و جزية و تقطيع أوصال البشر أحياء ، نظام عقابي انتقامي لا نظام تهذيبي تأديبي .
و هو حين يطرح هذا النظام الإسلامي لدولته ، يقدم لها المبررات ، موضحاً أنها صلب الإسلام و جوهره المتين ، فلا يجد بعد جهد و لأي سوى القول : " الإسلام كدين مختلف عن الأديان التي سبقته مثل المسيحية ، فالمسيحية كانت تعلن أن ما لله لله و ما لقيصر لقيصر ، و أعلنت بوضوح أنها لا دخل لها في أمور دنيا الناس ، و بالتالي لا علاقة لها بالسياسة و الاقتصاد ، لكن حين جاء الإسلام و كان النبي ( ص ) إلى جانب أنه نبي مرسل كان قائد دولة ، و لأن النبي و الصحابة من بعده كانوا إلى جانب أنهم دعاة و أصحاب عقيدة كانوا حكاماً ، و لا يوجد حكم دون أفكار مرجعية و توجه و إدراك سياسي " .
و هذا كلام يحتاج إلى وقفة طويلة تحاول الترتيب و الفهم و إعادة التفسير ، فمثلاً مما هو بحاجة إلى إعادة تفسير ، لأنه يحتمل فهماً آخر ، هو إعلان المسيح ترك ما لله لله و إعطاء ما لقيصر لقيصر .
إن تفسيراً آخر سيرى المسيح يريد بهذا المبدأ طمأنة الروم على فلوسهم و أملاكهم مما ينشئ هدنة سلامية بين الطرفين . و حين فعل ذلك فإنه قد جعل نفسه اليد العليا و السلطة الموزعة للسلطات ، فهو من يقوم بتقسيم الأرزاق و توزيعها ، و توزيع السلطات أيضاً باعتباره ممثلاً للسلطة الإلهية طالباً اعتراف الرومان بهذه السلطة . و هو ما حدث ، و لكن إلى حين . نذهب إلى صورة أخرى تبدو مطابقة لهذه الصورة في الإسلام ، فقد بدأ الإسلام في الزمن المكي بهدنة سلامية بطمأنة مكة و ملئها على مصالحهم و مالهم و تجارتهم ، و اعتبر القرآن النبي نفسه مجرد مبلغ نذير لا يملك أى سلطان عليهم ، و بعد الهجرة إلى يثرب و قوة عود الدعوة ، جاء النسخ في الوحي لتلغي آيات الحرب و السيف كل آيات الهدنة السلامية جميعا ، لأنه من حق صاحب القرار العودة عن قراره ، فجاء النسخ في القرآن في السور المدنية بالمواجهة العسكرية ، و هو ما حدث في المسيحية عندما أصبحت الكنيسة هي صاحبة اليد العليا حتى على الملوك و القياصرة .
إن مثل تلك الأمثال تشير إلى عقل قروسطي يريد ان يعود بنا إلى القرون الوسطى الظلماء . كلاهما أباح مؤقتاً أن تؤخذ الدنيا منه مؤقتاً في شكل هدنة سلامية تضمر الرجوع عن القرار ، فأخذ كلاهما الدنيا و الآخرة عندما تمكن . في الإسلام بدا ذلك واضحاً في إعطاء النبي للمؤلفة قلوبهم و حرمان الأنصار أصحاب الإنتصار على المؤلفة قلوبهم ، و الخليفة عمر كان يوزع حسب منازل و درجات العرب ما يأتي به جيش الفتوح ، و المعنى أن الإخوان عندما يحكموننا هم من سيقوم بتوزيع الأرزاق . و النظام الاقتصادي الإسلامي لا يعرف ملكية أرض لأهلها المقيمين عليها ، لأنها جميعاً وقف على العرب الفاتحين حسب القرار العمري الأشهر .
__________________
We will never be quite till we get our right.
كلمة الصليب عند الهالكين جهالة و اما عندنا نحن المخلصين فهي قوة الله "كور 1 -1:18"
( سيظل القران اعجاز لغوى فى نظر المسلمين الجهلاء فقط.
لان معظمهم لايستطيع الكتابه بدون اخطاء املائيه )
|