هذا بينما المساواة مسألة لا وجود لها بالمطلق في إسلامنا ، فإسلامنا يفرق أولاً بين المسلم و غير المسلم في البلد الواحد و لكل منهما حقوقاً و واجبات غير الآخر ، و يفرق بين السيد و العبد ، و بين العربي الحاكم السيد و بين المحكومين ، إن كانوا من غير العرب فهم : إما أهل ذمة أو موالي و هم من أسلم منهم ، و الموالي هم العبيد ، و أهل الذمة أدنى منهم درجة ، و بين الرجل و المرأة ، و بين القرشي و بقية العرب ، و بين المضري و الحضري ، و بين العدناني و القحطاني ، لكل حقوق واجبات غير الآخر ، فالحر بالحر ، و العبد بالعبد ، و الأنثى بالأنثى ، و قد قسم الخليفة عمر الأعطيات القادمة من البلاد المفتوحة على العرب ، بعد أن كلف هيئة من النسابة تضع الناس في منازلهم رتباً ، فالمهاجرين غير الأنصار ، و أهل بدر غير بقية المسلمين ، و كذلك آل البيت ، و الهاشمي غير كل قرشي ، و المرأة غير الرجل ، فكان نصيب كل منهم حسب رتبته يختلف عن نصيب و حقوق الفئة الأخرى .
كان هناك إفراط في التراتبية الطبقية في وضع الناس رتباً و منازلاً و طبقات و بيوتاً ، و من ثم لا يصح الحديث عن أسنان المشط سوى بحسبانها لوناً من الكلام الجميل الذي لم يجد طريقة إلى الواقع و لو مرة ، و دون مساواة لا مجال للحديث عن حقوق إنسان . لقد كانت دولة الخلافة دولة من لهم كل الحقوق يحكمون من عليهم كل الواجبات ! !
و هل من حقوق الإنسان و من معاني الحرية ، الاتجار في البشر و استعبادهم في الحروب ، و ركوب نساء المهزوم و هتك عرض غير المسلم ، و ترى هل يتعبد أبو الفتوح و إخوانه لربهم بمثل هذه المبادئ ؟
المهم يختمها عبد المنعم أبو الفتوح بشرح مطول لقول حسن البنا : " أقيموا دولة الإسلام في قلوبكم تقم علي أرضكم " ، و يظل يشرح و يفصل كما لو كان بصدد شرح نص قدسي ، حتى تكاد تفهم أن أرضنا اليوم ليس فيها دولة ، و أن على الجميع تهيئة هذه الأرض لقيام الدولة .
إذا لم يكن القول : " أقيموا دولة الإسلام في قلوبكم ، تقم على أرضكم " آية قرآنية و لم يكن حديثاً نبوياً ، فكيف جاز لأبي الفتوح أن يبني عليه كل شروحه تهيئة لدولته المنتظرة و التي يصفها بأنها إسلامية ؟ فإذا كانت إسلامية و كانت دولة فلماذا لم يقلها الله ولا نبيه و لا حتى أحد من صحابته و لا تابعيه و لا تابعي تابعيه .
أم ذلك كان سهواً من القرآن و الحديث و جاء الإخوان ليتداركوه ، و هل احتاج هذا التدارك مرور أربعة عشر قرناً و ثلث القرن ؟ أم هو دين جديد ؟ لو كانت" أقيموا دولة الإسلام في قلوبكم ، تقم على أرضكم " من الإسلام لقالها الرسول ، لو كان الإسلام منشغولاً بدولة لقالها القرآن ، أو أن نفترض أن أبا الفتوح و الإخوان بيعرفوا إسلام أحسن من ربنا و النبي .
إن النبي لو قال هذه العبارة لأنفض المولد من زمان ، كل المسلمين كانوا سيطيعون و يسمعون الكلام . لا كان ظهر لنا طه حسين و لا الشيخ على عبد الرزاق ، لأنه لن يكون هناك فصال في المسألة بعد تقريرها ديناً .
و لا يوهمنك قول أحدهم أن موضوع الدولة و نظام الحكم و الحريات و المساواة و حقوق الإنسان كانت متضمنة في الآيات أو السنة ، لأنها ليست مسائل بسيطة أو هينة يشار إليها بالتورية الضمنية ، فهذا مصير شعوب و أمم و دول و أوطان ، لابد أن يكون الحديث بشأنه واضحاً قاطعاً لا يحمل أي التباس أو كناية أو إستعارة .
و إذا كان الإسلام قد اهتم بنظافة المسلم حتى علمه الاستنجاء و عد لذلك ثلاثة أحجار ذات صفات ثلاث فيجب أن تكون قالعة نظيفة طاهرة ، إذن لقال أن عدد اعضاء مجلس الشعب كذا ، لو كان ذلك ضمن اهتماماته كدين ، أم أن الدولة و نظام الحكم و السياسة أقل أهمية من طريقة تنظيف المؤخرة بعد التغوط ؟
إنهم يقيمون لنا ديناً جديداً و مقدساً جديداً ، الفاتحة فيه : " أقيموا دولة الإسلام في قلوبكم ، تقم على أرضكم " ، و قصار السور فيه : " الإسلام هو الحل " ، و يريدون أن يحكموا بالقرآن و السنة بينما القرآن و السنة ليس فيهما شئ عن الحكم و الحكومات ، لذلك يضيفون إلى القرآن و السنة ملحقاً هو " أقيموا دولة الإسلام في قلوبكم ، تقم على أرضكم " . أليس ذلك الفعل مثله مثل فعل مسيلمة الكذاب سيئ الذكر ؟ أم تراهم مسيخ آخر الزمان الدجال ؟
إن دولتنا موجودة منذ عشرة آلاف عام و هم يريدون إقامتها اليوم ، يريدون إضافة القطع و الرجم ، رغم أنهم لم يقطعوا يد واحد إخوانجي حتى اليوم ؟ أليس بينكم لص واحد تفعلون فيه الشريعة يا أبا الفتوح لتثبتوا للناس صدقكم مع أنفسكم أولاً ؟ ، و ماذا عن شركات توظيف الأموال و ماذا عن غسيل الأموال القذرة ؟ أم تريدون تطبيق الشرع علينا دونكم ؟
إن إخواننا الإخوان كذابين شر الكذب ، يتكلمون عن الشرف و لا يتراجعوا عن هتك عرض العدو ، يتكلمون عن الحرية و لا يتراجعون عن فقه العبودية ، يتكلمون عن التسامح و يسمون غيرهم كفاراً و أوطانهم ديار حرب ، يتحدثون عن حقوق الإنسان و يبيحون العدوان على الغير و سلبه و أسره لمن استطاع إليه سبيلا ، يتكلمون عن اقتصاد إسلامي غير ربوي و يبيحون الاستيلاء على كل ما يملك المهزوم فلا يبقى لديه مال حتى يرابي به ، اقتصاد خراجي ، أي اقتصاد خرابي ، فاقتصاد بدون بنوك تعمل وفق الماكينة الدولية للاقتصاد العالمي هو خراب عاجل .
هذا ما يعرضه علينا الإخوان أن نعود عبيداً في دولة خلافة خراجية ، مجتمعها رتب و منازل و طوائف و ملل و نحل و طبقات لا يحكمهم حق واحد ، لأن الحق عندهم هم ليس واحداً ، رغم إعلانهم الدائم الدائب أن الحق واحد .
ألا ترون مدى كذبهم في قولهم بحق واحد . . . . . مع تعددية في الحقوق لا تأتألف و لا تلتقي أبداً ؟
__________________
We will never be quite till we get our right.
كلمة الصليب عند الهالكين جهالة و اما عندنا نحن المخلصين فهي قوة الله "كور 1 -1:18"
( سيظل القران اعجاز لغوى فى نظر المسلمين الجهلاء فقط.
لان معظمهم لايستطيع الكتابه بدون اخطاء املائيه )
|