-4-
لماذا تراجع القرضاوي عن "فتوى سفك الدماء" تلك، ونفى أن يكون مفتيها وفتاها الأول؟
إن لذلك أسباباً كثيرة منها:
1- أن القرضاوي مُسيّر سياسياً ، وليس مُخيّر دينياً. وأن فتاويه لا تنبع من روح الإسلام السمح، بقدر ما تأتي من مزابل السياسة العربية الغوغائية، ومن كيد الدول الإسلامية الملالية كإيران. ولهذا فإن القرضاوى يُصدر فتاويه السياسية لأغراض سياسية، وينفيها وينكرها ويلحسها لأغراض سياسية أيضاً.
2- أن القرضاوي حين يفتي وينقض فتاويه، فهذا يعني أنه لم يدرس خلفيات هذه الفتاوى وسندها الشرعي قبل أن يصدر هذه الفتاوى. وأن فتاويه تصدر تلبية لرغبة الغوغاء، وضغطهم في الشارع العربي، وتلبية لمطالب الدهماء في الإعلام العربي فقط، وليس نتيجة لأحكام دينية برهانية عِرفانية سابقة أو لاحقة. ولهذا، فمن السهل لحس هذه الفتاوى لحس الثريد، كما فعل القرضاوي في مؤتمره الصحافي في الدوحة في 9/9/2004.
3- أن فتوى القرضاوي بقتل الأمريكيين من مدنيين وعسكريين في العراق أثارت على القرضاوي الضمير العربي الحي- وما أقله وما أصغره وما أضعفه - والضمير الثقافي والفكري الليبرالي العربي المحدود. فقد أصدرت" المنظمة الوطنية للمجتمع المدني وحقوق العراقيين" مذكرة في 7/9/2004 حول فتوى القرضاوي بقتل الأمريكيين من عسكريين ومدنيين في العراق وغيره من" فقهاء سفك الدماء"، وأرسلتها إلى رؤساء الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن وللامين العام للامم المتحدة. وكتبت أنا مقالاً نُشر في كثير من وسائل الإعلام العربية عن (فقهاء سفك الدماء) (4/9/2004) وتحدثت في نشرة أخبار إذاعة البي. بي. سي باللغة الانجليزية يوم 7/9/2004 عن نية مجموعة من المفكرين الليبراليين العرب رفع مذكرة أخرى للأمم المتحدة تطالب بإنشاء "محكمة الارهاب" والقبض على القرضاوي وأمثاله ومحاكمته فيها.
4- كانت هناك اشاعات تقول بأن الحكومة الأمريكية سوف تلقي القبض على القرضاوي وتقدمه للمحاكمة. ولكن مصدراً ديبلوماسياً في السفارة الأمريكية في القاهرة نفى ذلك. وقال: علمنا بالفتوى القرضاوية، ولكننا لن نلقي القبض على القرضاوي، ولن نحاكمه حتى لا يصبح بطلاً أو شهيداً.
5-
لا بُدَّ أن الضغوط المصرية على القرضاوي باعتباره مواطناً مصرياً بالأصل، والضغوط القطرية على القرضاوي باعتباره مواطناً قطرياً بالتجنس، قد كان لها دورها الكبير في لجم هذا الشيخ، وجعله يتراجع عن فتواه. وهي مهزلة المهازل أن يدّعي الشيخ بأن فتواه دينية لا علاقة لها بالسياسة، ثم يعود فيلغي هذه الفتوى وينفيها ويتبرأ منها لأسباب وضغوط سياسية.
|