|
المنتدى العام يهتم هذا القسم بالأخبار العامه |
|
خيارات الموضوع | طريقة العرض |
#7
|
||||
|
||||
إنه شيخ في نحو السنة التسعين من عمره . طويل الجسم منتصب القامة معروق الوجه غائر العينين ، غير أن في عينيه شعلة تسطع . إنه لا يرتدي الآن ثوب الكاردينالية الأرجواني الفخم الذي ظهر به للشعب في الليلة البارحة حين كان يرمي إلى النيران أعداء الكنيسة الرومانية .
وإنما هو يلبس في هذه اللحظة ثوب الراهب ، المصنوع من خشن الصوف . وعلى مسافة منه يتبعه معاونوه العابسون وعبيده وحرس "القداسة" . وقف الكاردينال أمام الجمهور وتأمله من بعيد . لقد رأى كل شيء ، رأى التابوت عند قدمي المسيح ، ورأى البنية تبعث حية ، فأظلم وجهه واكفهر . إنه يقطب حاجبيه الكثيفين الأبيضين ، وإن بريقاً شريراً يومض في عينيه . وهذا هو يشير إلى المسيح بسبابته آمراً الحرس بأن يعتقلوه إن هذا الرجل الذي عرف كيف يروض شعباً مرتجفاً وأن يخضعه لجميع إراداته يبلغ من القوة أن الجمهور سرعان ما أسرع يبتعد أمام الحرس ، فإذا بهؤلاء ، وسط صمت الموت الذي يخيم على حين فجأة ، يضعون أيديهم على المسيح ويقتادونه . وسجد الجمهور بحركة واحدة أمام المفتش الأكبر الذي بارك الجمهور صامتاً وانصرف . أُخذ السجين إلى المبنى العتيق الذي تقع فيه المحكمة المقدسة ، وحبس في زنزانة مظلمة ضيقة مقببة انقضى النهار ، وهبط الليل . هي ليلة من ليالي أشبيلية تلك الحالكة الخانقة الحارة . "الهواء معطر بعبق أشجار الرند والليمون" . وفجأة ، في الظلمات ، فـُتح باب الزنزانة الحديدي ، وتقدم المفتش الأكبر العجوز يسير في الممر ببطء حاملاً بيده مصباحاً . هو وحده ، وما أن يدلف حتى يُغلق الباب خلفه فوراً وقف لحظة على عتبة الزنزانة وتفرس في وجه السجين طويلاً . ثم اقترب منه آخر الأمر بخطى خافتة ، وضع المصباح على المنضدة وقال له : "أهذا أنت إذن؟ أهذا أنت؟" ولكنه حين لم يتلق جواباً أسرع يضيف : اسكت ! لا تقل شيئاً ! وما عساك تقول لي ؟ إنني أعرف سلفاً كل ما قد تقوله لي . وبأي حق تريد أن تضيف أي شيء إلى ما سبق أن قلته ؟ لماذا تجئ اليوم لتعرقل عملنا ؟ ذلك أنك إنما جئت لتعرقل عملنا ، وأنت لا تجهل ذلك ، وأنت لا تجهل ذلك . فهل تعلم مع هذا ما الذي سيقع غداً ؟ إنني لا أعرفك ، ولا أريد أن أعرفك . أأنت هو حقاً ، أم لست إلا طيفه ؟ سيان ... لأنني سأحكم عليك بالإعدام وسآمر بإحراقك مثلما آمر بإحراق أسوأ الزنادقة إن ذلك الجمهور نفسه الذي كان يقبل قدميك منذ بضع ساعات ، سيهرع غداً ، بإشارة بسيطة مني ، فيوري لهيب النار ، هل تعلم ذلك ؟ ألقى عليه الكاردينال هذا السؤال ثم أضاف يقول في تأمل دون أن يحول بصره عن سجينه لحظة واحدة : لا شك أنك تعلم ذلك يجب أن لا ننسى أن هذا العجوز هو في التسعين من عمره وأن من الجائز أن يكون قد أجنته فكرته منذ زمن طويل . ولعل منظر السجين قد أدهشه . ولعل هذا كله لم يكن أيضاً إلا هذيان رجل عجوز قد أهاجه إحراق المائة زنديق الذين أحرقوا في الليلة البارحة ، أو هلوسة من تلك الهلوسات التي تسبق الموت في بعض الأحيان ألقى العجوز عليه هذا السؤال : "هل من حقك أن تكشف لنا ولو عن سر واحد من أسرار العالم الذي جئت منه ؟ " ثم لم ينتظر جوابه ، بل أضاف يقول فوراً : لا .. ليس من حقك أن تفعل هذا .. وذلك حتى لا تضيف شيئاً إلى ما سبق أن قلت في الماضي ، ولا تحرم البشر من تلك الحرية التي كنت تقدرها قدراً عظيماً حين عشت على الأرض . إن كل قول جديد قد تأتي به سيسيء إلى حرية إيمان الناس ، لأنه سوف يبدو معجزة من المعجزات ، وقد كانت حرية إيمانهم أعز شيء لديك منذ خمسة عشر قرناً . ألم تكن تردد على مسامعهم مراراً : "أريد أن أجعلكم أحراراً" ؟
__________________
From all the things i have lost i miss my mind the most http://www.youtube.com/watch?v=pMePM...layer_embedded |
عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف) | |
|
|